ترى لماذا تظل أسئلة الناس أو تساؤلاتهم والتي كثيرا ما تطرح في المنتديات والمجالس الأهلية وبعض الندوات التي تقيمها الجمعيات السياسية، تبقى من دون إجابات شافية في كثير من الأحيان؟ ولماذا تبقى تلك التساؤلات معلقة أو أن تترك هكذا ليطالها التقادم وربما النسيان أحيانا كثيرة، لتحل محلها أسئلة وأسئلة تظل تتوالد دون إجابات شافية؟ لتغيب الحلول المطلوبة ويتعطل الفعل والانجاز المنتظر من قبل الناس تجاه قضية ما، ربما شغلت يوما حيزا كبيرا من اهتماماتهم، فعلى الرغم من طبيعة تلك القضايا المتروكة والمعلقة من دون إجابات وما ينتج عنها من ارتدادات اجتماعية وعلى أكثر من اتجاه، إلا أن الذاكرة الشعبية عادة ما تسمح بتغييبها ولو إلى حين، حتى يكتب لها أن تعاود الظهور مرات ومرات ولو بثوب وطرح مختلف بعض الشيء وربما بشخوص وتفاعلات مغايرة، ليختزل معها الزمن والقضية ومراميها وبالتالي زخم الحدث ومغزاه.
يوم السبت الماضي دعيت مرة أخرى كمتحدث لندوة أقامها مجلس الدوي العامر بحيوية أهله والقائمين عليه في مدينة المحرق العتيدة، وكعادة هذا المجلس ونوعية حضوره ورجالاته وأحاديثهم، فان المتحدث باعتقادي لا يجد صعوبة تذكر في سرعة التفاعل وحتى الانسجام مع ما تطرحه مداخلات الحضور من رؤى وأفكار، وبحسب نوعية القضية المطروحة للنقاش وعنوان الندوة، فبرغم أن الندوة التي شاب موعد انعقادها نوع بسيط من الإرباك من حيث توقيت موعد إقامتها، إلا أنني وجدت في حضور المجلس وتداخلاتهم ما أعانني لكي اطرح كل ما أردت من أراء وأفكار وهواجس. لكن ما لفت نظري في نوعية المداخلات وسياق ومجرى الحديث أن التساؤلات هي ذات التساؤلات والحيرة هي ذات الحيرة واستمرار سيطرة الشعور بالخذلان وانعدام الثقة لدى الناس تجاه التجربة ومن يمسكون بتلابيبها في الإتيان بجديد هو ديدن الحديث، وذلك ما أجمعت عليه معظم المداخلات، فقد كان عنوان الندوة «قراءة في الانتخابات النيابية والبلدية القادمة» ومن العنوان يمكن فهم طبيعة الحديث المراد الوصول إليه من قبل القائمين على الندوة، من استنتاجات أثق أنهم أرادوا بها إثراء ما يدور من حوارات مجتمعية ونحن نتجه صوب الانتخابات القادمة، وكان لافتا أيضا غياب ممثلين عن الكتل السياسية والبرلمانية المهيمنة حاليا على ساحة المحرق تحديدا، رغم أن عنوان الندوة ربما يعنيهم كثيرا ولو من باب الدفاع عن مواقفهم التي كانت محل نقد وتمحيص من خلال الحديث والمداخلات.. أرجو أن لا يكون ذلك نوعا من الهروب وعدم الاستعداد لمواجهة الشارع وتساؤلات الناس؟!
أستطيع أن أقول أن معظم مداخلات حضور «مجلس الدوي» في تلك الأمسية كان عنوانها الحيرة والتساؤل الضمني الذي مفاده وكما فهمته على الأقل «لماذا لا يوجد لدينا برلمان وبرلمانيون يستطيعون حمل هموم وقضايا الناس بصدق كما يطرحونها في برامجهم وشعاراتهم الانتخابية وهل سيستمر ذلك في الفصل التشريعي القادم؟».
وحول تلك النقاط يتشعب الحديث وتتداخل المسميات، ورغم أنني بمعية غالبية الحضور كنا واعون لضرورة النأي بالحديث بعيدا عن أي انحيازات ربما تفهم أنها طائفية، تأصيلا على ما سبق الندوة من بعض المداخلات التي ربما كانت ستصل بنا لو استمرت إلى الدخول في متاهة الطرح الطائفي الذي ربما يصفق له مريدوه وهم كثر في بعض مجالسنا الشعبية، لكنه في نهاية المطاف يظل طرحا مرفوضا سببا ونتيجة، باختصار لأن أهل البحرين بمختلف مللهم لم يعودوا في حاجة لمزيد من تأجيج الفتن والانقسامات، فلدينا ما يكفينا من قضايا نحتاج أن ننشغل ونشتغل عليها بوحدة وانسجام، فقضايا الإسكان والتعليم والصحة والفساد والبيئة، والمحسوبية والأملاك العامة للدولة والموازنات العامة وما تعج به تقارير الرقابة المالية السنوية والأوضاع المعيشية بشكل عام والرواتب والأجور والفقر، هي بعض من قضايانا التي لا زالت تطرح باستمرار من قبل الناس والقوى السياسية، باحثين لها عن حلول كثيرا ما نخفق في الإجابة عليها، ببساطة لأننا ربما لم نعرف بعد ما هي أولوياتنا، وإن عرفنا فإننا لا نعرف من أين نبدأ، وإن بدأنا فإننا لا نعرف كيف نتقن أو ندير اللعبة لمصالح الناس والوطن، ولأننا كثيرا ما نتشعب في الهوامش على حساب الأولويات، أولأننا لا نعرف أحيانا كثيرة كيف نستطيع توظيف ما لدينا من أدوات ومصادر قوة، وأحيانا وهذا هو الأهم ربما لأننا نجهل أن حجم الإعاقات وأسبابها ومسبباتها هي جزء من عملية الصراع الذي علينا أن نتقن إدارته بأدوات تقبل التجدد والتطوير وترفض التخندق في محيط الطائفة والحزب أو الجمعية أو حتى المرجعية أو الايديولوجيا، لذلك تبقى الأسئلة من دون إجابات وتبقى الأحاديث تجتر بعضها وتبقى حيرة الناس وقلة حيلتهم بانتظار ما هو قادم عله يكون خيرا!.. فهل بمقدورنا الإجابة على أسئلة مجلس الدوي التي هي أسئلتنا جميعا؟!
صحيفة الايام
21 يوليو 2010