كانت السوق الإيرانية واعدة بنظام اقتصادي رأسمالي (حر) خاصة أيام مصدق الذي ضربته وضربت تجربته الحكومات الأمريكية، لكن كأغلبية الدول الشرقية يغدو تشكل السوق الحرة من الطرق الصعبة، فكان الاختيار الديني ذاته تصويتاً ضد هذ المسار. والطائفية هي شكل الاقتصاد الحر المخنوق اقطاعياً. وقد تنامى خيار الرأسمالية الحكومية مع الحرب الإيرانية – العراقية، حيث برزت الدولةُ كأكبر قوة اقتصادية – عسكرية، وظهر الخيار الشعبوي (الاشتراكي) عبر موسوي، وما يسمى باليسار الإسلامي، فتفاقمت قوى الدولة الحكومية الرأسمالية العسكرية.
الخنق الاقطاعي للسوقِ الحرة يتشكل اجتماعياً بعدم تحول الأسرة إلى خلية رأسمالية، وبعدم ازدهار قوى العمل في النساء والعقول، وجمود الأرياف وتحولها إلى قنابل ضد الحداثة، وهيمنة المؤسسات العسكرية والطفيلية على خلايا الإنتاج، وهروب رأس المال الوطني وقوى التقنية والمهارات للخارج.
إن أي معركة عسكرية يدخلها النظام الإيراني هي محسومة مسبقاً، ولكن الغرب يلجأ للعقوبات الاقتصادية لكي يتفكك النظام من الداخل، فيما يصعد الحرس ليكون هو المؤسسات الكبرى الاقتصادية والعسكرية، بتقليد معين لنظام صدام حسين وجعل الحرس الجمهوري هو المتصدي لنظام العقوبات.
إن نظام العقوبات هو نظام فاشل لكنه يمثل شكل التحضير للضربات العسكرية والهجوم.
والنظام الراهن المتخلخل لنظام آخر عسكري، يتألف من تحالف رجال الدين وتجار البازار، وفيما تعملقت الدولة وأجهزتها العسكرية بقي تجار البازار في مواقعهم، يعارضون التغلغل البضائعي الأجنبي لأسواقهم، وفيما عدا ذلك فهم مع من يحكم.
وقد تجنبت السلطة التعرض لهم، خاصة وهم خارج الصراع من أجل الديمقراطية.
ولهذا فإن نظام العقوبات يتجنب المساس بمصالحهم، ويوجه ضرباته نحو الطبقة الحاكمة الجديدة، وتغدو مصالح الحرس هي التي تحدد مسار النظام، وتتوجه العقوبات لضرب سيطرته، وعزله عن حلفائه في الدول المؤثرة كروسيا والصين وسوريا وتركيا والبرازيل.
إن مسألة العقوبات غير ناجعة بسبب الاقتصاد البترولي الإيراني:
(ويعود ذلك لأن النفط يشكل سلعةَ التصديرِ الأولى فى إيران، ويمثل ما بين 80 بالمائة إلى 90 بالمائة من الصادرات الإيرانية، كما يمول تصدير النفط ما بين 40 بالمائة إلى خمسين بالمائة من إيرادات الدولة الإيرانية)،.
إن منعَ تصدير النفط غير ممكن، وبالتالي فإن الاقتصاد الإيراني يمضي في دروب الحياة. ولهذا فإن نظام العقوبات الأمريكي السابق طوال (عقود) لم يفلح في تغييرِ شيء كبير:
(وتقلص تأثير الحصار الاقتصادي الأمريكي، طبقاً لتقديرات واقعية، في حدودِ خسارة إيرانية تقدر بما بين 1 بالمائة إلى 6،3 بالمائة فقط من إجمالى الناتج المحلي الإجمالي الإيراني خلال الفترة من 1998 وحتى .2001).
أما فرض حصار بحري فهو يثير حرباً غير ممكنة الحدوث بسبب الخسائر الجسيمة التي سوف لا تقدر على تحملها مختلف الأطراف التي تقوم بها، وتعريضه الاقتصاد العالمي لأخطار فادحة وإشعاله المنطقة.
إذاً العملية السياسية تستهدف تغييرات على الصعيد الداخلي الإيراني، وما يرتبطُ بها من تحولات سياسية في الأنظمة والتنظيمات المساندة لإيران، بحيث يتم التركيز في الخصم الرئيسي وهو الحرس وهزيمته ومنع نمو مشروعاته العسكرية الخطرة وخاصة المشروع النووي.
ومن هنا تتضخم لغة العقوبات وتحاول أن توحي بأنها قادرة على شل الخصم وهزيمته، وهو أمر محل شك.
لكن علينا أن نرى خريطةَ لعبة الشطرنج العسكرية السياسية الخطرة هذه، ومدى قدرتها على فعل شيء حقيقي، ودوافعها العميقة والظاهرة، وكيف يترتب المسرح الإقليمي الدولي للقيادة الأمريكية، التي تترأس النظام الرأسمالي العالمي الراهن في العقود الأخيرة بشقيه الغربي الديمقراطي والشرقي الشمولي.
إن الدول الشرقية الشمولية التي لا تنصاع لإرادة القائد الأمريكي تتعرض آجلاً أم عاجلاً للهزيمة كما أثبتت التجارب إلا في حالتين هما تجربة فيتنام وتجربة كوبا، فهل سوف تنضم إيران إلى هاتين التجربتين؟
وهل هي مشابهة لتينك التجربتين؟
إن الشعب الإيراني مع المشروع النووي، ولكنه ليس مع الهيمنة الحكومية العسكرية التي أهدرت موارده في أعمال لا تعود عليه بالرفاهية، وهو يملك قدرات احتجاجية مشهودة فلم يخنق مثل بقية شعوب المنطقة رغم ضخامة أجهزة القهر والعنف.
فهل ستقوم حكومة أحمدي نجاد بالتحايل بين هذا وذاك، وإلى متى؟ وهل ستصل العقوبات الدولية إلى هذا التحايل وتقطع دابره وكيف؟
صحيفة اخبار الخليج
20 يوليو 2010