المسلمون(أمة) التوحيد في كلِ بيتٍ من بيوتِها حربٌ ضروس، وعمليات (استشهاد) ومذابح وسيارات مفخخة وانهيارات حدودية سياسية فسيفسائية.
حزب التحرير الفلسطيني المصر على التوحيد والاحتفال التنديدي بإلغاء الخلافة يُضرب ويعتقل أفراده!
أي ذاكرة لدى هذا الحزب للاحتفاظِ بهذا المثال العتيق والعظيم المحتاج إلى البناء والعلاقات الاقتصادية المتطورة بين المسلمين وليس فقط إلى الشعارات.
جزيرة العرب ينتشر فيها غرباء يبنون فيها والعرب يهربون إلى الغرب للصراعِ على الحجابِ والنقاب!
البلوش والفرس يتذابحون ويصفون بعضهم بعضاً مرة بالإعدامات ومرة بالتفخيخ البشري!
باكستان التي اقتُرِحت كأرضٍ مهمة للإسلام غدتْ مدفعياتٍ ثقيلةً توجهُ القذائفَ في كل الجهات وتنتحر عملياً!
وحكمُ الإنقاذ في السودان يصرخُ بأعلى صوته طالباً من ينقذه من الحروب الأهلية ويشكل الوحدة الوطنية التي ضاعت بسبب شعاراته!
الحكايةُ من البدايةِ بسيطةٌ وتتجسدُ في الخيول.
العرب كانوا أمة الخيول، والفاتحون المسلمون انطلقوا عبر الخيول ليؤسسوا دولةً كبرى، وانضمت إليهم شعوب القبائل والفرسان، في كل أرض صحراوية ماثلت تقاليدها تقاليدهم.
انظرْ إلى خريطةِ الأرض وستجد اللونَ الأصفر فيها هو لون بلدان المسلمين.
أسسوا حضارات بسيطة، قلبت أوضاع الامبراطوريات والأكاسرة والجبابرة رأساً على عقب. وما لبثوا أن نزلوا عن صهواتِ الجياد ومالوا للسلم والتعمير، وظهر منهم نفرٌ ورثَ وكرس تقاليد الجبابرة والاستغلاليين السابقين، بعد أن قبضَ على مقاليد السلطات.
هو الدين الوحيد الذي تشكل في أعقاب الفتوحات، وغالباً ما تؤدي الفتوحات إلى القفز على الظروف وتكوين خريطة لم تتجذر ديمقراطياً وتغدو فضفاضة وممزقة خاصة بسبب الصحارى الطبيعية والعقلية، وتحتاج في عصرنا إلى إعادة بنائها، لا استعادتها بعوالم العنف السابقة، وبالتضخم الذاتي.
تكرست أوهامٌ كثيرة هنا متلبسة بين زمان النضال وزمان الاستغلال.
(نحنُ خيرُ أمةٍ أخرجتْ للناس) لكنهم يقطعونها عن سياقها، ويجعلونها مطلقةً مجردة، فمآثر الأمة تُحتسب من تضحياتها وأخلاقها، وأن الخير لا يتم بالشر والعدوان، بل بالخير والبناء والسلام.
لا توجد أمةٌ لم تظهرْ على مسرح التاريخ من دون الخيول في العصر القديم ومن دون الدبابات والطائرات القاذفة في أمم التمدن والاستعمار الراهنة.
ولا تُحتسبُ مآثرَها بعدد الخيول التي امتطها وحاربت وغزت بها، والطائرات التي أغارت على الآمنين أو المجرمين، بل بعدد المدن التي أسستها، والصناعات التي شكلتها، والكتب التي ألفتها، والفنون التي أغنت حياة البشر.
العصر الراهن قطع العصر القديم، وليس ثمة شعب هو خير الشعوب، كل الأمم متساوية قانونياً أمام ميثاق الأمم الحديثة الجديدة، وهي ليست متساوية حقاً، إلا شكلاً، ولكن الشكل مهم. وما يؤسس المضمون هو الإنتاج وليس الماضي والصورة الذاتية.
لقد نزل المسلمون عن صهوات جيادهم، ومالوا للسلم والبناء وإقامة أعمدة الثقافة، أما ركوب الخيول الآن وجعل الطائرات أفراساً تضربُ ناطحات السحاب، وتحويلُ السيارات إلى قنابل تفترسُ المسلمين المختلفين، فليست سوى مقاربات انتحارية تزيف التاريخ القديم الجهادي الحضاري، بأعمال مراهقة دموية.
لا يزال اللونُ الأصفرُ لدى هؤلاء، لكن اللون الأصفر صار الآن قيعان نفط ضخمة، وجبالاً ملأى بالمعادن، ودخلت عصابات الإرهاب مع عصابات الشركات، وحولت حكوماتُ الحكمِ المطلق شعارات المسلمين إلى كراسي أبدية للطائفيين.
البلدان ذات اللون الأصفر التي هربَ الناسُ منها قديماً وكانت مسارح فرسان المسلمين الكل يتهافت عليها، ويؤجج الصراعات الدموية فيها، ويترك الأنهارَ والأجهزةَ المعلوماتية والمسارحَ وحفرَ الأرض والجبال بحثاً عن الثروات وتأليف كتب المغامرات الكاشفة عن المواد الخام، إلى صراع مذاهب وتحلل دول.
صراع ثروات وكراسي يتبدى للعامة انه صراع ديني، وهو ليس صراعاً دينياً.
يتمسك الناس أكثر فأكثر بالتوحيد، ويطلبون إلى السياسيين الكف عن المغامرات والارهاب ويريدون مشروعات، وإن من لديه مشروعا للتغيير فليحوله إلى شركة توظف المواطنين، وإلى برنامج يكشف الفساد ويعيد ريعه للعامة، وأي رئيس دولة يجب أن يحض على تعاون البلدان الإسلامية وليس إلى تفجيرها ونشر الخراب والأسلحة الفتاكة في صفوفها.
فهل تتحول الأماني إلى أصوات؟ ويُلغى التعصب الطائفي من أجل هدف سلمي توحيدي نهضوي، وتزاح عبادة العنف؟
أخبار الخليج 18 يوليو 2010