ما يحدث اليوم في البحرين من تجاذبات سياسية بين كافة القوى والتيارات والشخصيات التي انخرطت بدرجات متفاوتة في السباق المحموم والمنافسة الضارية على المقاعد الأربعين للمجلس النيابي التي سيجري التزاحم على الفوز بها في شهر أكتوبر المقبل - ما يحدث يشبه، بصورة أو بأخرى، ما يحدث في دولة الكويت الشقيقة من عمليات تشطيب انتخابية قبيل بدء أي انتخابات لأعضاء مجلس الأمة الكويتي، مع فارق أن عمليات التشطيب الانتخابي في الكويت أو ما يسمى في الإنجليزية تقصير القائمة ( Short listing ) تتم عبر ما تسمى ‘ الفرعيات ‘ ويُقصد بها الانتخابات الفرعية التي تجريها القبائل الكويتية لاختيار مرشحيها الذين سيمثلونها في الانتخابات، بينما عمليات ‘ تشطيب ‘ أو ‘ تقصير القائمة ‘ التي انطلقت بقوة وعلى نحو غرة في البحرين على وقع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، تتم عبر وسيلة التسقيط والتشكيك في الخصم الانتخابي وفي قدراته وحظوظ فوزه في الانتخابات المقبلة .
وعلى ما هو ظاهر فلقد انخرط في هذه العملية من التسخين الانتخابي الممهدة لأجواء المعركة الفاصلة التي لا يفصلنا عن موعد حدوثها سوى حوالي ثلاثة أشهر، كافة الكتل النيابية وواجهاتها الحزبية والسياسية وعدد من المرشحين المستقلين الذين قرروا، لأسباب مختلفة، خوض غمارها، والتنظيمات السياسية، إضافة إلى المؤسسات الصحافية وبعض المواقع الإلكترونية، وبالتأكيد رجال الدين المعادون بحكم منطلقاتهم الفقهية غير المؤسسة، للديمقراطية وللقوانين الوضعية المنظِّمة لعلاقات أفراد المجتمع ولشؤونهم الحياتية، الجارية والمستقبلية، والذين امتطوا ‘ اللعبة ‘ الديمقراطية وفرعها، السلطة التشريعية، ‘ لدرء مفسدة أكبر ‘ على حد زعمهم .
ومع أن جميع هؤلاء الفرقاء تقريباً قد استدعوا مكنونات ‘ ذخيرتهم ‘ من مختلف مكونات ثقافة الفزعة، المتراوحة ما بين ‘ امتيازات ‘ دينية وفقهية حصرية، واستثارة ‘ نخوات وهمم ‘ مذهبية وطائفية وقبلية وعشائرية وجهوية، إلا أن أحداً منهم لا يبدو في وارد الإقرار بمساهمته الفادحة في تأزيم العلاقات المجتمعية والدفع بها نحو التوتر المشدود .
وهذا تطور لافت في الطبيعة التي يتوقع أن تكتسيها الحملات الانتخابية، وهو تطور غير مألوف ويعكس حالة التوتر التي تسيطر على الفرقاء المتربصين بكراسي السلطة التشريعية وسطوتها، المعنوية والوجاهية، إضافة إلى تأثيراتها على المسار العام للمشهد السياسي والاجتماعي للمجتمع البحريني من خلال دالّة التشريع التي تصيغ وتُشكل اتجاهاته .
ماذا يعني هذا وما الذي يقرأه المرء في هذه ‘ التطورات ‘ الانتخابية البحرينية المُنْبِئة؟
وفقاً للمعطيات الحاضرة المستقاة من هنا وهناك، يمكننا اقتراح القراءة التالية :
( 1 ) يبدو أن الأطراف الأساسية التي تمسك بزمام أمور ‘ اللعبة ‘ البرلمانية لا تتوفر حتى اللحظة على أي استعداد لتغيير قواعد ‘ اللعبة ‘ وإحداث تغيير جدي في مواقفها من شأنه تغيير التركيبة البرلمانية الحالية وإضفاء حيوية أكبر على أداء وعمل السلطة التشريعية، وذلك ببساطة لاقتناعها بعدم وجود ما يضطرها في ميزان القوى المجتمعي لإحداث مثل هذا التغيير الملح .
( 2 ) هذا الوضع الإستاتيكي من شأنه الإبقاء على حالة التخندق الطائفي التي لعب المجلس النيابي والتنظيمات السياسية التي تأتلفه دوراً ريادياً في إشاعتها، واستمرارها في الضغط على أعصاب وعلى المزاج العام للمجتمع البحريني الذي أظهر عدم اكتراث البتة بسياسات ‘ الإحماء ‘ الطائفي ذات الأجندات الخاصة المتضادة مع المصلحة الوطنية العليا .
( 3 ) من المتوقع على نطاق واسع أن يزداد دور المال السياسي في حسم كثير من النتائج الانتخابية وذلك في ضوء ما أسالته الامتيازات المادية وغير المادية للكرسي البرلماني من لعاب الطامعين في الوصول إليه . وإلى ذلك فإنه إذا ما قُيض للأمور أن تجري على ذلكم النحو الكئيب، المقروء اجتهاداً، فإنه يصبح من نافلة القول إن ذلك لن يخدم بالضرورة الحراك التنموي العام إن لم يزد من مصاعبه .
الوطن 17 يوليو 2010