رحل المفكر نصر حامد أبوزيد احد رموز العقلانية الذي خاض معركة متعددة الجوانب في سبيل ممارسة حرية النقد خاصة نقد الفكر الديني.. ابوزيد الذي حُكم عليه بالردة والتفريق ما بينه وبين زوجته وهي دعوة من دعاوى الحسبة كان مفكراً جسورا موقفه الواضح من مخاطر قيود النص وعتمة العصور الوسطى انتصاراً للعقل وللتجديد والحداثه.
ان التعصب والتكفير وعدم احترام الاختلاف والتنوع والتعدد اشكالية الفكر الديني المتشدد اي اشكالية الاصولية التي اغتالت العديد من المفكرين والسياسين اصراراً على تزييف الوعي وتغييب العقل خدمة لرؤى ماضوية لا تزال تعيش على امجاد الماضي تعصبا وتزمتا لاجتهادات مناهضة للحاضر والمستقبل وتجدد الحياة.
واذا كنا نرى تكفير «ابوزيد «تطبيقا لخطاب ايديولوجي متعصب يؤمن باشد اشكال العنف ضد المخالفين له فان الارهاب الفكري والاغتيالات الفردية والجماعية والتفرقة بين الازواج ليست الا الجانب العملي لهذا الخطاب.
ومن هنا فاذا كانت رؤى «ابوزيد» الفكرية التي دأبت على نقد واصلاح الفكر الديني من خلال تحليل النص بهدف التجديد العقلاني للنص فان هذه الرؤى قاعدة متينة لاستنتاجات منطقية تبعد التفكير عن مخاطر التعصب والتطرف.
«ابوزيد» له مقالات فلسفية كثيرة وله ايضا اصدارات فكرية نقدية عديدة فكتابه «الامام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسطية» الذي اعتمد الججح العقلانية القائمة على برهان العقل والتجربة اثار جدلا واثار معركة غير مشروعة ضد هذا المفكر الذي قيل عنه احسن من يحلل النص وقيل ايضا ان قضية ابوزيد قضية فكرية مجالها الحوار الفكري وان المختصين بها هم المفكرون الباحثون وانها ليست قضية قانونية يختص بها المحامون والقضاء».
في هذا الاصدار قال ابوزيد «وقد آن اوان المراجعة والانتقال الى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها بل من كل سلطة تعوق مسيرة الانسان في عالمنا، علينا ان نقوم بهذا الان وفوراً قبل ان يجرفنا الطوفان» وعلى اثر هذا القول واعتبر «ابوزيد» في نظر الاصولية المتزمته كافراً ومرتدا وحول هذه الاتهامات كتب مذكرة دفاعية ينقض فيها دعاوى التكفير والردة الموجهة اليه قال عنها مفكرو الاستنارة واضح من هذه العبارة انها لم تشر لا من قريب ولا من بعيد الى نصوص القرآن والسنة الا ان المدعين يعتسفونها وقد نزعوها من سياقها الذي لا تفهم الا في ضوئه وعلى هدى منه، لينطقوها بما لم تقله وما لم تنطقه مستنتجين استنتاجا غريبا يؤسسون عليه حكما اغرب منه فهم يفترضون من عند انفسهم ان المقصود بالدعوة للتحرر من سلطة النصوص هو التحرر من سلطة نصوص القرآن والسنة وهو فهم غريب وتأويل مريب لم يقله المؤلف ولم يشر اليه لا في هذا الكتاب ولا في سواه وهو ما يجعل الاتهامات المؤسسة على هذه العبارة باطلة ومحض ادعاء وقذف دون سند اوبينة فهي ادعاءات متولدة اما عن قصد الاساءة والطعن والتشهير او عن سوء فهم وجهل بالمصطلحات والمفاهيم في المجالات المعرفية وتأكيدا على ذلك قالوا ايضا ان دلالة النصوص في العبارة المشار اليها لا تنصرف على الاطلاق الى نصوص القرآن والسنة الا لدى من لديه نية مبيتة على ان يفهمها على هذا النحو لاسباب في نفسه لا في العبارة ذلك ان سياق العبارة الواضح تماما هو سياق تحليل نصوص الامام الشافعي ومن ثم يكون معنى التحرر في هذا السياق منصرفا الى نصوص الاسلاف وهو ما يعني فتح باب الاجتهاد واعمال العقل في نصوصهم وتحليل هذه النصوص بادوات العلم المعاصر اللهم الا اذا كان هناك من يرى ان الاسلاف من الائمة معصومون لا تجوز عليهم القوانين البشرية من اصابة وخطأ.
في مؤلف «ابوزيد» هذا عبارات كثيرة انتزعها خصوم العقل من سياقها استهدفت المعرفة العقلانية وفكر «ابوزيد» فكر الاستنارة لحاجة في نفس يعقوب، عموما رحيل هذا المفكر الذي انطلق في تحليله النقدي من المنهج الجدلي التاريخي خسارة فادحة للمعرفة العقلانية والتجديد.
الأيام 17 يوليو 2010