المنشور

جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم


في اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، نستذكر شهداء الوطن الذين سقطوا تحت التعذيب الوحشي وتحت قانون أمن الدولة الذي حل البرلمان من أجله وداس على القيم الديمقراطية والأخلاقية وأسس مبدأ انتزاع الاعتراف بالطرق غير الإنسانية متجاهلاً كل المواثيق الدولية والمبادئ الإنسانية.
 
نستذكر الشهيد محمد غلوم بوجيري 2/12/76، الشهيد الشاعر سعيد العويناتي 12/12/76، والشهيد الدكتور هاشم العلوي الذي أزهقت روحه تحت التعذيب في ظل قانون أمن الدولة سيئ الصيت. كان ذلك في فجر الحادي من شهر أغسطس عام 1986 عندما اقتيد من شقته ومن بين أسرته الصغيرة  إلى المعتقل ومنذ ذلك اليوم وحتى تاريخ استشهاده مورس بحقه أسوء أنواع القهر والتعذيب لدرجة الشهادة في الثامن عشر من سبتمبر 1986  وفي محاولة تفعيل بنود الدستور والميثاق المستجد من بعده واللذان يحتويان على بنود تصون حقوق الإنسان والمواطنين..  باعتبار أن هذه القضايا لا تسقط بصفة التقادم بل تظل عالقة ومؤرقة ومؤلمة للضمير الإنساني حتى يتم التحقيق والإنصاف فيها.

وفي خضم كل هذه المستجدات.. يطل علينا بدون خجل وبشكل ينافي كل المواثيق والمعاهدات والبنود الدولية المرسوم بقانون رقم ( 56) لسنة 2002 الخاص بتغيير بعض أحكام المرسوم بقانون رقم ( 10) لسنة 2001 بالعفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني.

إن التعذيب سواء كان جسدياً أو معنوياً محرم في دستور البحرين الحالي وكذلك محرم في دستور (73 ) المادة ( 19 ) حيث يعاقب القانون كل من يمارسه ويبطل كل قول أو اعتراف انتزع نتيجة التعذيب، كما أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تحرم التعذيب ، وتعده جريمة ضد الإنسانية لا يسري عليها مبدأ التقادم مهما طالت السنين ولا يمكن إعفاء أي كان من مسئولية ممارسة التعذيب الذي يعد خرقاً للدستور والمواثيق الدولية لذلك لا يمكن أن تكون هذه الممارسات من ضمن صلاحيات الوظيفة.

إننا نتساءل كيف ننسى ونحن مازلنا وبعد مرور كل هذه السنوات نذكر ونستذكر ونتذكر بألم وحرقة ومرارة.. كيف نعفو.. كيف نصفح عن من اختطف الضحكة من أفواهنا.. وانتزع الفـرح من قلوبنا ويتََم أطفالنا وشـتت شملنا .. جرحنا مازال ينزف .. دموعنا مازالت تترقرق في مآقينا .في أي زمن نحن وأية مفارقة تلك التي حصلت عندما تطال الأيدي النجسة الأيدي الغادرة الناس الشرفاء الذين لم يعلنوا غير ما نطالب به اليوم ونقوله علنياً . أية أضرار نفسية ومعنوية تم تركها لنا لنعيشها إلى الأبد بسبب أسلوب إنهاء حياته بهذه البشاعة.  

إنما أطالب به اليوم لن يرجع لي زوجي ووالد أبنائي ولن يرفع عني وعن أبنائي آثار الفقد القاسي للشهيد هاشم . إلا أن فتح باب التحقيق وكشف الحقائق ومحاكمة القائمين على التعذيب حتى الموت آنذاك، قد تحقق بعض الراحة لنا ولروح الشهداء، التي تم تشويهها جزافا بعد كل ما تعرض له من انتهاكات خطيرة في حقه كمواطن وكانسان وفي حق أسرته ووالدته التى توفيت بحسرتها على خيرة أبنائها  .

إنـني أطالب إلى جانب فتح باب التحقيق بالتعويض المادي والمعنوي عن الأضرار التي لحقت بنا منذ ذلك الوقت كأبسط أشكال التعويض عن المأساة الإنسانية التي تم فيها خطف الإنسانية المتمثلة في شخصه ، إنسان في مقتبل عمره وزواجه وأبوته وعمله. 

كان مقبلاً على الحياة بحب وعطاء لكل من هم حوله وفي كل مجالات حياته العائلية والعملية… خطفت روحه ومعها فقدت راحتنا وسعادتنا واستقرارنا كعائلة كانت متحابة ومستقرة وسعيدة … لولا هذا الجرم الغادر والانتهاك الخطير.

انه من الضروري النظر إلى موضوع التعذيب كونه مشكلة اجتماعية وإنسانية كبيرة شملت عددا واسعاً من فئات الشعب… فمن الضروري إيجاد حل سياسي وإنساني شامل يضمن لكل المتضررين جسديا ومعنويا في حالة الوفاة أو العجز أو التعطل.

إننا كضحايا مباشرين أو غير مباشرين للتعذيب أصحاب الحق الشرعي في وضع قوانين الصفح والعفو … وليس لغيرنا مهما بلغت قوتهم أو سلطتهم أن يضعوا تلك القوانين التي تلامسنا نحن فقط.