بات واضحا في ضوء تجربة ما يقرب من عشر سنوات على استئناف الحياة البرلمانية وإقامة الجمعيات السياسية ان جمعيات المعارضة عادة ما تمر علاقتها بـ “شهر عسل”، إن صح القول، طوال سني الفصل التشريعي وعلى الأخص علاقة جمعية الوفاق بجمعيات التيار الليبرالي، ولكن ما ان يقترب الفصل التشريعي على نهايته ويقترب موعد الانتخابات النيابية حتى يشمر الطرفان عن سواعدهما وتدب الخلافات والمناكفات العلنية بين الطرفين على صفحات الصحف، بدءا من الخلاف وعدم الاتفاق على النزول بقائمة واحدة، وبخاصة في ضوء تشدد “الوفاق” وإصرارها على احتكار كل الدوائر المحسوم فوزها فيها، وليس انتهاء بأسلوب التشهير الشخصي بالمرشحين المنافسين الذين يرى الطرف الأقوى أنهم يهددون ولو نسبيا فوز مرشحيه في عدد من الدوائر، ومن ذلك تكفيرهم او إثارة جوانب من الحياة الخاصة بهم.
ولأن الانتخابات النيابية الوشيكة هي انتخابات شبه مصيرية وبالغة الصعوبة، بمعنى لن تكون معركتها سهلة لجملة من الأسباب المتعددة ليس هنا موضع تناولها فقد بدأت حمى هذه المعركة مبكرا.
ولا شك في أن هذه الخلافات المتجددة بين جمعيات المعارضة مع كل موسم انتخابي إنما تعكس هشاشة التنسيق والتحالفات فيما بينها حول القضايا الوطنية المصيرية المشتركة، فهذا التنسيق او تلك التحالفات لا ترقى في الغالب إلا إلى إصدار بعض البيانات المشتركة حول بعض القضايا أو المستجدات الطارئة، أو القيام ببعض المسيرات أو الاعتصامات، ثم كل يذهب الى سبيله وينهمك في أجندته الخاصة ومن ضمنها التشكيك والتشهير بالطرف الآخر الحليف. وبالتالي فهذه التحالفات الوقتية تغلب عليها اعتبارات الظرف الزماني الآني الطارئ او قل “التكتيك” أكثر مما تستند الى خطة او رؤية إستراتيجية صادقة شاملة بعيدة المدى.. وليس غريبا ذلك مادامت العلاقات بين جمعيات المعارضة ليست على ما يرام حتى داخل التيار أو الطرف الواحد.
ولعل ما يثير الدهشة من نقاط التجاذب والخلاف في هذا الموسم الانتخابي الجديد بين جمعيات التيار الوطني من جهة وجمعية الوفاق الإسلامية من جهة اخرى ما أثارته هذه الأخيرة من حساسية لنعت التيار اليساري نفسه بـ “التيار الوطني” علما بأن هذا النعت ليس وليد اليوم بل منذ ان ولدت جميع الحركات اليسارية والقومية قبل أكثر من ستة عقود، حيث اصطلحت على نعت نفسها بهذا المصطلح واصطلحت كل القوى السياسية الأخرى في الوطن العربي على الإشارة اليها بهذا المصطلح أيضا.
ولم يكن إطلاق هذا “النعت” اعتباطا بل جاء في ظرف تاريخي واجهت فيه كل هذه القوى اليسارية والقومية البحرينية والخليجية والعربية مكافحة الاستعمار الغربي الجاثم على أوطانها، وقدمت في سبيل ذلك تضحيات هائلة وشهداء عديدين من اجل تحرير أوطانها، ويشهد بتلك التضحيات القاصي والداني.
وبالإضافة الى ذلك فمن الأسباب الرئيسية لهذا النعت أيضا كون كل هذه القوى الوطنية بلا استثناء تضم في صفوفها لفيفا متنوعا من المواطنين المنحدرين من ألوان طيف نسيجها الوطني الاجتماعي، وكون كذلك المهمات والغايات الوطنية المشتركة التي تهم الوطن برمته والشعب بأكمله هي على رأس اجندتها، ولا توجد في هذه الأجندة أي غايات طائفية او عرقية كامنة مستترة او علنية ظاهرة كما هو حال الجمعيات الطائفية.
أكثر من ذلك، فانه على امتداد نحو عشر سنوات من قيام الجمعيات السياسية درج خطاب “الوفاق” السياسي نفسها على الإشارة الى جمعيات اليسار بنعتها بهذه الصفة أي كقوى وطنية، سواء في البيانات المشتركة ام في مقالات رموز الوفاق ام في خطاباتهم الأخرى المختلفة فما الذي استجد لإبداء هذه الحساسية الجديدة من هذا النعت واعتباره انه لا يعني ضمنيا سوى تجريد الوفاق من هذه الصفة الوطنية؟
ثم أليست الوفاق نفسها تخلع على نفسها صفة “الاسلامية”.. ألا يعني ذلك – بمقاييس الوفاق نفسها تجريد الجمعيات الوطنية من إسلاميتها كأنها جمعيات لا تنتمي إلى الإسلام؟ ثم لماذا ننسى ما أثارته الوفاق في الانتخابات السابقة من زوبعة ليس في صفوف اليساريين فحسب، بل في المقام الأول في صفوف كل الجمعيات الإسلامية حينما أسمت قائمتها الانتخابية باسم “القائمة الإيمانية” مما عده كل المحتجين أنه يدخل في باب عدم تواضع الوفاق الديني ومحاولة إثارة عواطف الناخب الدينية من خلال تقديم مرشحيها بأنهم هم المؤمنون الورعون المشبعون بتقوى الإيمان، مما يعني ضمنيا أن مرشحي القوائم الأخرى لم يسبغ الله على قلوبهم هذه الطهارة الإيمانية؟
على ان إثارة نقاط الخلاف المبكرة لم تقف عند هذا الحد، بل امتدت الى الاعتراض على نزول بعض مرشحي اليسار في عدد من الدوائر التي بات واضحا ان الوفاق تتملكها مخاوف من سقوط مرشحيها في بعضها وبخاصة تلك الدوائر التي سبق ان حاولت تحصين وتعزيز مرشحيها للنجاح فيها بشهادات صكوك الإيمان والتزكية الموقعة من قبل مشايخ الدين في المنطقة في استغلال فج رخيص لمشاعر الناخبين الدينية.
أخبار الخليج 15 يوليو 2010