ما أكثر الندوات والمؤتمرات وورش العمل وحلقات البحث التي تقام في مدننا العربية كل يوم تقريباً، حول قضايا عديدة، ولكن المتمعن في الأمر سيلاحظ أننا ننصرف إلى التفاصيل وننسى الأساس، أو نتحاشاه ونهرب منه.
السؤال الكبير الذي يجب أن يطرح: هل تذهب المناقشات في هذه الأنشطة نحو العمق لتفضي إلى نتائج تستحق الدراسة والتمحيص، وتتحول إلى إرادة عمل لدى الحكومات أو حتى المنظمات غير الحكومية، كل في حقل اختصاصه.
فلا يعد المشاركون في هذه الفعاليات يكتفون بسماع صدى أصواتهم بين الجدران الأربعة للقاعات التي ينظمون فيها هذه الورش، ولا تذهب توصياتهم إلى الأدراج والاضبارات، فنعود بعد حين لنقول الكلام نفسه، ونصدر توصيات مشابهة، تزيد أو تنقص، لكنها تذهب إلى مصير سابقاتها.
جدوى مثل هذه الأنشطة لن تقاس إلا إذا نظرت أجهزة الحكومات بعمق إلى القضايا المطروحة فيها، واستجابت لما يصدر عنها من قرارات، فقامت بسن قوانين إصلاحية بعيدة المدى، واتخذت تدابير في الإطار ذاته وفق استراتيجية واضحة وإرادة ممنهجة، وذلك بغية الحد من تناسل الأسئلة اليائسة من قبيل: «إلى أي مستقبل نحن ذاهبون، عن أي تنمية نتحدث، ما جدوى الثقافة وما جدوى التعليم».
ونَصِفُ هذه الأسئلة باليائسة، لا من قبيل الاستخفاف بها، فنحن نعلم جيداً مدى دقتها وخطورتها، وإنما من قبيل الإشارة إلى أن كثرة طرحها، دون مقاربات جريئة لها، يكسبها هذه الصفة.
ومثل هذه الأسئلة اليائسة تخصنا هنا في بلدان الخليج العربية بصورة عميقة، أخذا بعين الاعتبار إننا ما زلنا نعد مجتمعات فتية في انفتاحها على العصر وعلى العالم، وهي بالكاد تؤسس لتقاليد ثقافية وتربوية متينة وراسخة، فإذا بنا نداهم بطوفان الثقافة الاستهلاكية التي تحتفل بالمظاهر وتفصل بين الوسيلة والهدف.
والأمر هنا ليس مقتصرا على العناوين التي غالبا ما تكون كبيرة وجذابة، فيما المعالجة سطحية وعجلى، إنما هو تحديدا في المعالجات الجريئة التي لا تهاب أن تنكأ الجروح، لإخراج ما تحت قشرتها.
وطرح الأمور والظواهر للنقاش لا يعني بالضرورة إمكانية حلها الفوري، وإنما يكون مقدمة ضرورية للتفكر ملياً في أمر وضع أجندات للحل، الذي وإن أخذ وقتاً، لكن وجود هذه الأجندات ومتابعة تنفيذها، يخلق حالاً من الاطمئنان إلى أنها في طريقها للحل، فالوعي بالمشكلة هو نصف حلها.