إحدى الأطروحات المتداولة في الثقافة السياسية العربية الراهنة، في العلاقة مع قوى الإسلام السياسي، تذهب إلى طرح سؤال استنكاري فحواه التالي: لماذا لا نجرب الإسلاميين، لنعطيهم فرصة، فلقد جربنا القوميين واليساريين وسواهم، ولم تكن تجاربهم ناجحة، فلماذا لا يعطى المجال لقوى الإسلام السياسي، فلعلها تنجح في ما أخفق فيه الآخرون.
هذه الأطروحة تنطوي على مقدار كبير من التضليل وتزييف الحقائق، وهي تغفل المسار المعقد من صعود التيارات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي في العقود الماضية، وهو مسار يشير إلى انه ما من قوة سياسية واجتماعية تيسرت لها فرص من التمكين كتلك التي تيسرت للإسلام السياسي.
وبنظرة طائرة سريعة إلى مسار صعود هذه التيارات، سنجد كيف عقد الراحل أنور السادات صفقته الشهيرة مع الإخوان المسلمين، حين أعادهم من منفاهم في السعودية وبلدان الخليج الأخرى، وأخرج المعتقلين منهم من السجون، ووفر لهم كل فرص العمل المحمي في صفوف الشباب وطلبة الجامعة، ليواجه بهم خصومه يوم ذاك من اليساريين والناصريين وسواهم وبقية القصة معروفة.
وليس طبيعة الحكم الذي يعدنا به الإسلام السياسي طبيعة مغفلة أو غير معروفة. فقد قاد حسن الترابي انقلابا على الحكومة الديمقراطية المنتخبة والتي جاءت في نتيجة انتفاضة شهيرة في السودان على حكم النميري، وبالتحالف مع الجيش أعاد الإسلاميون السودانيون حكم العسكر مرة أخرى بالقوة وليس بالآليات الديمقراطية.
وحين استتب لهم الأمر اضطهدوا القوى السياسية الأخرى ولاحقوا خصومهم، وأقاموا حكما منعزلا في الخرطوم، سرعان ما تصدع من داخله، ولم يجلب هذا الحكم لا الديمقراطية ولا الخبز للسودانيين.
سنستطرد في الأمثلة: ألم يكن حكم طالبان حكما «إسلاميا» نموذجيا؟! لنستعيد ما فعلته وتفعله هذه الحركة في إدارة الأمور في الأمارة التي أقامتها، وما موقفها من المرأة ومن أمور الحياة اليومية، ولنسأل ما البرنامج الاجتماعي – الاقتصادي الذي قدمته هذه الحركة، بل لنسأل أصلا إن كان هناك من برنامج لها في الأساس.
ويمكن أن نذهب أكثر فنتحدث عن الفكر الإرهابي الذي فرّخته هذه الحركة وامتداداتها في «القاعدة»، والذي قدم من الذرائع ما يكفي ويزيد لتعميم نهج المواجهة الدامية الذي يعمل المحافظون الجدد في البيت الأبيض على تعميمه عالميا، فضلا عن الخسرانات الكبيرة التي أودت بحياة المئات من الشبان العرب والمسلمين إلى موت عبثي في معارك فارغة من أية مضمون.
ورغم الطابع الشعبي الواسع والعميق للثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه، ألا أن حكم رجال الدين عجز عن الذهاب بهذه الثورة إلى مداها في بناء إيران المتطورة والديمقراطية والعصرية، بل انه في مجالات كثيرة صادر ما بلغه المجتمع الإيراني المعروف بتطوره من أوجه رقي ونهضة، وأعاد المجتمع، في أمور كثيرة للوراء.
بعد ذلك ليس صحيحا أن الإسلاميين لم يُجربوا. لقد جُربوا وكانت حصيلة هذه التجربة على درجة من البؤس، ليست خافية على أولي الألباب.