لم تمض شهور قليلة على فضيحة السنابس وكوارتين الموز والرزم المكدسة من الورقة بعشرين دينارا، ولعبة الضحك على الذقون، حتى تطل علينا قضية المدعو (س .ج) الذي طار الى استراليا كما تطير الطيور بارزاقها، تاركا خلفه مجموعة كبيرة من الضحايا الجدد. واذا ما كان ضحايا السنابس غالبيتهم من الشرائح الدنيا والمحدودة الدخل، فان ضحايا الهارب الى استراليا من اجل ابتياع مزرعة كونغارو!! باموال نخبة “بحرينية” موضوع يدعو للتعجب.
وهذا ما لفت نظري من صحافتنا ناعتة تلك النخب بمهن عديدة ومتنوعة، فكدت اضحك لمحنة شريحة، كان من الاجدى بها ان تكتشف لعبة النصب الجديدة بسهولة، والتي تكررت اسلوبها بشكل مماثل لولا تفاصيل صغيرة مختلفة ومكاتب لامعة وموظفين، هم ايضا ضحايا اللعبة ذاتها، فليس المهم ماذا حدث ولكن المهم لماذا يحدث هذا؟ في بلد مداخيل الناس فيه ليست كبيرة ولا ثروتها باهظة طالما انها نخبة اقرب لشريحة الطبقة الوسطى والموظفين الصغار، ولكن يبدو ان العماء والضباب، الذي يغشي عيون النخبة، هي حالة الجشع كظاهرة مستشرية دون ان يقتنع الكثيرون، بأن احيانا شعار “يود مجنونك لا يجيك اجن منه” هو شعار عملي وصالح لساحة استثمارية بدت فيها رياح النصب والاحتيال تتسع وتزداد، دون ان يحاول المجتمع المدني والاجهزة ايجاد طريقة لردع النصابيين الجدد، فاذا كانوا في تلونهم خدعوا ناس القرية، فانهم اليوم ناس المكاتب الوفيرة والوظائف العليا، والتي نعتتهم الصحافة بالنخبة، فانهم يخدعون شريحة اخرى وفي الغد القريب سوف يتوسعون لتشييد مؤسسات اخطبوطية، بحيث يتحول “البيع والشراء” المربح والمغري ضمن مؤسسات وهمية، قادرة على ابتلاع عشرات الملايين بدلا من ثمانية ملايين دينار بحريني، تم تجميعها في حصالة فارغة فخارية تنث عن رطوبة ورائحة كريهة، فاتذكر شعارنا القديم، كبحرينيين بأننا نفخر بعبارة تقليدية هي “عائلة واحدة !” فبتنا نفتش عن ابن العمة والخالة والاقرباء، الذين بامكانهم بيع ذمتهم وسمعة عائلاتهم في المزاد العلني، فرائحة الذهب والفضة وبريقهما قادرة على اختراق الاخلاق الحصينة، بعد ان فقدت مناعتها التاريخية الاخلاقية لمجتمع البحارة البسطاء وهم يغنون في اعالى البحار “هولى يا مال !” من اجل لقمة وكرامة عائلاتهم المنتظرة في يابسة بائسة. البحرين اليوم ليست كما الامس، ولن تكون اخلاق اليوم كما هي اخلاق الامس، ومن يحاول مغالطة تلك الحقيقة فهو يخدع نفسه، فكل امراض المظاهر والبذخ الكاذب، ومحاولة الصعود من طبقة الى طبقة اعلى بات حالة مرضية عند شريحة واسعة من الناس حتى وان كان الاثراء بلا ذمة، نلمسها في احتفاليات ومظاهر كثيرة، هي عمليا صارت حديث المجتمع الملوث بقيم الرياء والنفاق الاجتماعي.
ولكن بالرغم من كل هذه الامراض الاجتماعية، والتي افرزت ظاهرة النصب والاحتيال من اجل ثروة طارئة مستعجلة وبأي ثمن كان، حتى وان ادت الى صاحبها في الهروب الى ارض الكنغارو فربما السكان الاصليين يستضيفونه بينهم، ويكونون قادرين على اخفائه بين ظهرانيهم كضيف جديد ثري جاء من بلدان النفط، بحيث يقدم نفسه لهم بانه تاجر نفط يملك نصف المنطقة العربية، وجاء للاستثمار في البراري القاحلة وتفجير باطن الارض الاسترالية بنفط مخزون.
والغريب في الحكاية ان الهارب اختار استراليا، وكأنها صارت بلدا للهاربين من القانون، وملجأ لمن يحلمون بذهب استراليا باموال مسروقة في بلد صغير كالبحرين، فتتحول استراليا القديمة كمكان اختارته بريطانيا ذات يوم مكانا بعيدا ومهجورا للسجناء العتاة في بلدها ومستعمراتها، السجناء الذين حملتهم السفن البريطانية في حقبة كولونيالية من اجل بناء طرق السكك الحديدة والعمل في المناجم والمعادن، والتي فجرت طاقة استراليا الجديدة، فيما تصبح اليوم تاريخا مختلفا كملجأ للصعاليك الجدد من بلدان مختلفة، وكأنما المهاجرين الجدد الشرفاء عرضة لتشويه سمعتهم في بلاد الله الجديدة. استراليا هذه اللحظة حاضن للهاربين من القانون من بلدان عدة بما فيها بلدنا الصغير، ولكن الضحية هذه المرة هم بعض من النخبة!!’ التي سقطت ضحية، اما لغبائها او لجشعها او الاثنين معا فصارت مفجوعة على خسارتها، فعندما نركض بسرعة ودون التفات صارم لما يدور حولنا نسقط ضحايا الكذب والنصب والاحتيال والكلام المعسول، حيث يباع الوهم في مستنقعات نائية في محيطات العالم، ولكن دون اي وجود لاثر هناك، غير شراء الهواء الفاسد. النخبة المفجوعة تم خداعها من قبل س.ج، والتي تعني لمفارقتها سؤال وجواب، لبرنامج من يربح المليون!! ولكن في البرنامج البحريني هناك فقرة اهم هو من يخسر المليون، فلعل تلك الفاجعة تعلم الآخرين معنى التدقيق والتريث لكل من يروج لاستثمارات وهمية فاضحة.
صحيفة الايام
11 يوليو 2010