تشارك دولُ الخليج في ضعف الديمقراطية وضعف الرأسمالية الشرقية، لكنها تضيفُ أسباباً أخرى لهذا الضعف، وكذلك تشارك في خطورة التجارة السهلة في المواد الخام الثمينة النادرة كروسيا.
فهي عاجزةٌ بشكلٍ أكبر عن تطويرِ أوضاعِ العاملين فيها، خلافاً لكلِ دول الشرق.
هذا العجز ينبني أساساً على ضعف الطبقة الوسطى المحرومة من الوجود باقترابِها من مصادرِ الثروة النفطية والصناعات الكبرى، وكذلك بسببِ التفاوت الكبير بين العمالتين الوطنية والأجنبية، وبسبب تضخم هياكل الدول بالبطالة المقنعة الواسعة، وعلى تغييب النساء عن الدخول الموسع في الصناعة، وعلى تخلف التعليم عن الثورة التقنية.
ولهذا فإن الآراءَ الدينية والمذهبية المحافظة سواءً الاجتماعية أو السياسية هي مظلاتٌ ايديولوجية لتلك القسمات المتخلفة في الاقتصاد.
فقد نمتْ أجهزةُ الدول العربية الخليجية عبر البيروقراطية، وهذا يعني المذهبية السياسية وسيادة الذكور وتغييب حضور النساء في الإنتاج، وجلب العمالة الأجنبية المستغلة في تنميةِ ثرواتٍ أسطورية خاصة، وترك بُنى الخليج بنى بدوية محافظة وطائفية.
تتباين مستويات مشاركة النساء في العمل، وأغلبها مشاركات إدارية وبنسبٍ ضئيلة فالسعودية البلد الأوسع لا تتعدى مشاركة النساء في الأعمال فيها 7%، وهذا يفسر ضخامة العمالة الأجنبية فيها، فهي عشرةُ ملايين وأكثر من القوى العربية والهندية والآسيوية عموماً، أي بسبب غياب عشرة ملايين من النساء المواطنات.
تغدو الأبنية الايديولوجية الطائفية المحافظة شكل التجلي لتلك الذكورية الساحقة ولهيمنة العمالة الأجنبية والبذخية الحكومية والغنية غير المنتجة للتغيير الصناعي الوطني، ولغياب التخطيط والفهم الفكري الموضوعي للحياة، ويتمظهر ذلك بإرسال الفوائض للخارج على شكلِ ودائع خليجية إلى البنوك والمؤسسات المالية الغربية والشرقية، أو على أشكال أجور أجنبية تتوجه لتنمية البلدان الشرقية.
وبالتالي تتكاثر الفئاتُ الطفيلية الاجتماعية التي تتحلقُ حول القطاعات العامة تستنزفها، وتحولُها لتنمياتٍ مظهريةٍ خليجية وتنمية لبلدانٍ أخرى.
وترى ذلك مجسداً في النساء، المعيار الدقيق لتشوهِ التنميةِ ولغيابِ الديمقراطية، ولغيابِ العقلانية الدينية.
فالحشودُ المغيبة في البيوت يقابلها حضورٌ نسائي أجنبي هائل، وبالتالي فقد انعدمتْ إمكانياتُ الديمقراطية، لقد غُيبت أصواتُ نصف المجتمع.
ومن دون العمل والاستقلالية الاقتصادية للنساء، لا يمكن أن تظهر آراء نسائية حرة، تصوت للتغيير والحداثة.
النساء الأجنبيات يكتسبن خبرةً اقتصادية وعلمية ولغوية وسياسية فيما تعوز النسوة الخليجيات ذلك، وذهابهن لصناديق الاقتراع بلا معنى، لأن الرجالَ هم الذين يصوتون.
تعبرُ المذهبيةُ السياسية والاجتماعية المحافظة عن التبعية للغرب وللهند ولجنوب آسيا بمختلف تجلياتها، فيما تقومُ رأسمالياتُ الدول بإدارة الثروات العامة بأشكالٍ هدرية وطفيلية ومشوهة.
تتجلى إضاعةُ الثروةِ الفكرية الإسلامية لدى الجماعات الطائفية بعدمِ النضالِ من أجلِ سوق حرة، ولحداثة ديمقراطية حقيقية، وبمنع قوى العمل الوطنية الخليجية من النمو، ومنع التجليات الأخلاقية العميقة لدى المواطنين، عبر الاكتفاء بأشكالٍ مظهرية ونصوصية لكن الخراب الأخلاقي يكمن في العمق الشعبي الفقير المنعزل المغيب عن التصويت.
تقع دول الخليج بين عاصفتي الرأسمالية الغربية والرأسمالية الآسيوية الجديدة المنطلقة بتوسع، والأولى تستثمر الخليج عبر السلع المعمرة الغالية والأخرى عبر العمالة المتدنية الأجور الكثيفة في بلدانها، ولهذا يخسر الخليج من أوجهٍ عدة، معتمداً على سلعته النفطية النادرة لشراءِ سلعٍ استنزافية لاقتصاده.
مع تدهور سلعته الأساسية تتكشف الهياكلُ الاقتصادية الضعيفة التي تحتاج إلى إعادة هيكلة، لا تقوم بها سوى برلمانات قوية معبرة عن القوى المنتجة، ومدى قدرتها على التغيير وعلى التضحيات الاقتصادية.
ستؤدي السنواتُ القادمة إلى تغيير طابع العمالة الاجنبية المكلفة، والسلع المعمرة البذخية، ومن هنا يَتطلب الأمرُ من البرلمانات رؤية المستقبل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي ستهبط مع هبوط أسعار النفط.
وذلك في إعادة تشكيل العمالة وإعادة تشكيل الأجيال التي انضمت إلى البطالةِ المقنعة في الوزارات الحكومية، عبر هدر قيم العملين المنتج اليدوي والمنتج الذهني.
إن الوعي الديني المسيس لا يستطيع أن يرى مشكلات البنية العميقة، وكون تحديث القوى العاملة العربية ضرورةَ بقاءٍ لمنطقة الخليج، طارحاً مشكلات الأخلاق بصورة مثالية مفارقة لقضايا الواقع الحقيقية. والفئاتُ الدينيةُ تحتاجُ إلى زمنٍ موضوعي وثقافة ذاتية مغايرة لكي تنضم إلى الطبقة التي هي جزءٌ منها وخارجة عنها وهي الطبقة المتوسطة بسببِ شكل وعيها الماضوي.
صحيفة الايام
9 يوليو 2010