يتميز التيار الديمقراطي في البحرين بالخبرات والكوادر والقيادات ممن اثبتوا جدارتهم في كافة الظروف الطبيعية والاستثنائية عبر مراحل التاريخ الصعبة. والتاريخ الوطني لفصائل التيار الديمقراطي البحريني حافلة بالمنجزات المحفورة في الذاكرة الوطنية، وهي مكان اعتزاز وتقدير نظرا للتضحيات الجسيمة التي أنارت درب العمل الوطني كإنشاء لجنة حقوق الإنسان بالإضافة لما أسدته من دعم للقوى الوطنية الأخرى من منجزات.
قبل أيام قلائل أثار الدكتور حسن مدن رئيس جمعية المنبر الديمقراطي قضية هزت الرأي العام السياسي المنشغل أصلا بمسألة الانتخابات القادمة ومفادها انّ التيار الديمقراطي يتعرض لحملة بلغت حد التشكيك في مواقفه الوطنية وجاءت الهجمة على التيار منذ إعلان المنبر الديمقراطي التنافس في بعض الدوائر التي يحسبها تيار جمعية الوفاق ضمن مواقعه وبالتالي فلا يحق للآخرين الترشح فيها! هذا التشكيك لا ينّم عن حصافة سياسية، ويعد حسب د. مدن مؤامرة على المعارضة!.
ثمة حقائق لا بد من التنبه اليها ونحن نمر بمخاض انتخابي ومفصل سياسي يتطلب ضبط الأعصاب والحذر الشديد من إطلاق التصريحات غير الحكيمة والمدروسة. لعل في مقدمة تلك الحقائق أنّ المعارضة لا يمثلها فريق دون الآخر مهما كانت التضحيات والحجم الذي يتمتع به. والتيار الديمقراطي احد الفصائل السياسية التي لها دور مشهود ومحطات بارزة في مسار العمل الوطني منذ مرحلة الخمسينات من القرن المنصرم وليس من الحكمة التقليل من أهمية هذا الدور خاصة على صعيد التضحيات والسنوات الحافلة بالأزمات.
أننا نعتقد أن المنافسة الشريفة تتطلب إفساح المجال أمام كافة الأطياف السياسية المتباينة الرؤى والتوجهات ولا ضير من دخول أكثر من جماعة سياسية في دائرة انتخابية واحدة.
الأسس الديمقراطية السليمة ان تعرض كل التيارات برامجها الانتخابية أمام الجمهور وهو من له الحق في اختيار من يراه الأجدر بتمثيله في البرلمان القادم دون فرض اي شكل من الوصاية أو الإكراه الذي يأخذ مناحي عدة كتوظيف الشعارات الدينية لترجيح كفة على أخرى وهو ما اشرنا اليه غير مرة مما أثار تشنج البعض لبالغ الأسف.
في خضّم هذا الجدال المحتدم بين الفئات المعارضة يبرز تساؤل لبعض التيارات الإسلامية وملخصه: لماذا يُصوّر التيار الديمقراطي للرأي العام كما لو أنه يشكل بعبعاً ينوي ابتلاع التيارات الأخرى ويستهدف وجودها ومصيرها والتشكيك في نقائها النضالي؟ لقد استمعنا وعبر منابر إعلامية متعددة تكرار الخطاب ذاته حتى بلغ حد الغثيان، أما المبرر وراء هذا الشحن فيكمن انّ التيار الديمقراطي يتبنى رؤية فكرية مخالفة للرؤى الأخرى!
وهنا نرى من الأهمية بمكان الاسترشاد بالتجارب البرلمانية العريقة في دولة مجاورة كالكويت ونائية نسبيا كلبنان مثالاً يجسد أهمية مشاركة كل الأطياف وثرائها نظرا لما تتوافر عليه من بناء فكري وخبرة في العمل السياسي صقلتها تجارب طويلة ربما هي غير متوافرة للآخرين.
الذين عاصروا التجربة البرلمانية في سبعينات القرن الماضي لا شك إن ذاكرتهم تحتفظ ببقايا صور للتنوع المذهل البالغ النضج رغم قصر الفترة وكان أداء الكتلة الوطنية موضع إعجاب للمتابعين والمراقبين رغم قلة عددهم نسبيا.
إذا كان ما أورده د. حسن مدن صحيحاً من أنّ دوائر تعمل على إسقاط تاريخ الحركات الوطنية وهو تاريخ حافل بالتضحيات فانّ هذا يعد مؤشراً مؤسفاً وانحدارا في الوعي السياسي لا يليق بمن يحمل لواء المعارضة ومن يعد تاريخه محطات من المتاعب والآلام. انّ أسوأ ما تمر به الحركات المعارضة هو مثل هذه الحالات من التشظي والتراشق بالاتهامات من العيار الثقيل من قبيل التخوين والتسقيط. وتساق ببساطة دون التأمل في عواقبها وما تخلفه في ذهنية الجمهور الذي تحتفظ ذاكرته بصور زاهية لهؤلاء الرجال. لقد كانت الأمنية التي تداعب خاطر الكثيرين ان يشهدوا قائمة مشتركة تمثل أطياف المعارضة الست لكن الآمال تحطمت لا بتشتتهم بل بتبادل عبارات التخوين والتسقيط! وكنا نظن إننا تجاوزنا هذه المرحلة من التهويش التي تشبه “صراع الديكة” أو اللغة المتدنية التي تتساوى في انحدارها مع لغة القبائل ماو ماو التي تُشوى فيها لحوم المعارضين في قدور نحاسية ثم الإجهاز عليها!
وتبقى أمنية أخيرة ووحيدة أمام التيار الديمقراطي وموجزها انه في ظل استحالة الاتفاق على قائمة مشتركة للمعارضة فلا اقل من الاتفاق على قائمة موحدة تضم مرشحي التيار ونرجو ألا نصدم بتنافس مرشحين من التيار الديمقراطي في دائرة واحدة!
البلاد 7 يوليو 2010