أين بإمكاننا تلمس القشعريرة السياسية هذه الأيام بل وعلى مدار كل الأيام؟ مثلما نتلمس قشعريرة الصيف ووهجه في صيف ستكون تحضيراته النيابية متوترة من جهتين كونه يأتي مبكرا بعض الشيء والأمر الآخر سيكون في أغسطس الأكثر شهور السنة حموة وحرارة ورطوبة برفقة شهر الصيام، مما يجعل القشعريرة السياسية تتحول إلى ’’ عصبيات وقلق ’’ تتجلى في تصريحات إما متشنجة أو إنها مضخمة حول الذات والقدرة على استباق النتائج وحسمها نهائيا قبل ’’ الإعلان عن المسابقة السياسية !! ’’ أو حتى دخولها، وكأنما القشعريرة تسربت بسرعة للأبدان والعقول المهسترة، التي مسها الغرور السياسي، كونها مهيمنة ومسيطرة على الشارع السياسي ’ الديني ’ وإذا ما قلنا الديني فان مفردة الطائفي تتبعه لكون تلك القشعريرة السياسية ترمومترها العام يتجسد في الانحيازات الطائفية لمشروعات بدت ظاهرها مصالح وطنية وباطنها توجهات عصبية فئوية بحتة.
ما نلحظه من الاهتزازت الأولى لتلك القشعريرة تحرك الكبار والصغار من المسؤولين من السلطة التنفيذية، وانتشار حالة المجسات الأولية في المجالس الشعبية وتصدر الرموز والوجوه الوطنية مقالات وتصريحات وحتى تشخيصات تكاد تبلغ التنظير ما بين فكرة المغلق والمفتوح لفلسفة معقدة في الدوائر، فإذا ما أخضعنا المقولة لمنطق فلسفي، فلا يوجد فصل ميكانيكي بين المطلق والنسبي والمفتوح والمغلق في تلك الدوائر، وإنما هناك مسألة نسبية ودلالية وسياسية، فما هو بالأمس مغلق وتابو سياسي لا يمكن اختراقه، فان مع مرور الوقت بالإمكان فتح ثغرة.
من حيث اللحظة التاريخية وبحساب الأرقام ونتائج نواب مجلس 2006 فهناك مرشحون حصلوا على نتائج عالية فاقت التسعين في المائة، مما يعني أن المنافس الجديد عليه فهم حقيقة الرقم الذي أمامه ’ إما الدوائر ’ التي كانت نتائجها ما بين 70-80% فان الفرص تبدو أيضا أصعب من دوائر نيابية تحركت الأصوات فيها للفائزين بأرقام تراوحت بين 55 -65%، حيث المؤشرات في تلك الدوائر تعزز من فكرة النسبية وتأرجح وضع نوابها في الدورة القادمة، حتى وان حاولت أية جمعية المبالغة بحقيقة هيمنتها على كل المناطق بدرجة متساوية تحت تعبير ’’ الدوائر المغلقة ’’ إذ يتعارض القول مع الحقيقة والأرقام، فلا يمكن تلبيس بدلة واحدة وبقياس واحد على نائب يبدو لنا قياس دائرته مثل وزنه وطوله وملامح وجهه بل وحتى كرشه السياسي وتصريحاته البهلوانية.
ما بين المغلق والمفتوح والنسبي والمطلق هناك مقولة أهم وهو مسألة اللحظة الراهنة والمنظور القريب والبعيد، حيث تتوالد عدة أسئلة لدى الناس بل وسؤال محوري هل توجد دائرة مطلقة من حيث اللحظة التاريخية ؟– نقول نعم سنجدها في تلك النسب المرتفعة حسب منطق الأرقام وليس منطق الرغبات أو منطق التهويل السياسي وحالة تضخم الذات، ولكن في الوقت نفسه تبدو لنا القشعريرة السياسية المصابة بها بعض الجمعيات هو تعميم لمقولة (المغلق ) إلى حد القداسة، كما لو كانوا يقدسون إن النظام الإيراني ليس بالإمكان اهتزازه بهزة حركة طلابية وشبابية وانتخابات عامة فما بالنا لو تمت الهزة بالجيش او الطبقة العاملة، حيث ما زال الشارع الإيراني يهز مقولة المطلق والنسبي لأنظمة توهمت أنها مقدسة للأبد، ولا يمكن لحركة التاريخ أن تفعل فعل بقشعريرتها السياسية الصادمة لرجال الفكر والسياسة، عندما قرؤوا التاريخ بذهنية المطلق الجامد، فيتم ترجمة الفلسفة بصورة خاطئة في علم السياسة والعكس أحيانا. وإذا ما تمعن المرء في كل دائرة على حدة، ووضع حولها تلك الأرقام، فانه سيكتشف بكل سهولة إن هناك أيضا دوائر ’’ مفتوحة ’’ من حيث اللحظة التاريخية والمنظور القريب، غير إن كل الدوائر من حيث المنظور البعيد تتحول إلى دوائر مفتوحة باعتبار إن المغلق أبدا مفهوم خاطئ بالمطلق أيضا إذ لا في علم السياسة ولا في منظور الفلسفة المادية، الرضوخ لمبدأ إن الحياة جامدة لا تعرف التغيير والانتقالات .
أتذكر في فرنسا كيف كان الشيوعيون الفرنسيون فخورين في مناطق محددة اعتبروها مناطق تأثيرهم ونفوذهم وكانت تسمى مناطق حمراء، لكثافة حضورها العمالي واليساري، ولكن دوائر الأمس أصيبت بالتصدع وذلك الحزام العمالي في أطراف باريس ما عاد نفسه، كما هو قبل الحرب العالمية الثانية ولا حتى في الخمسينات والستينات المزدهرة بحركة زاخرة بالفعل والقوة والنفوذ، فقد خسر الحزب دوائر انتخابية وصار رصيده النيابي لا يتعدى 2% بل وحظي التروتسكيون بما يقرب من 4% في يوم كان الحزب الشيوعي يسخر من طروحاته، بل وصعد للمسرح السياسي شبابا منافسين في الأربعين والثلاثين من عمرهم من الجماعات التروتسكية ينافسون عتاة الحزب وكباره وينتزعون منهم الأمكنة المغلقة .
فإذا ما تم في داخل البيت الواحد تفتيت تلك الدوائر، فان بالإمكان نزع تلك الدوائر بشخصية من خارج هذا البيت والدائرة المغلقة، متى ما أدركت الشخصية القادمة بمعول الهدم من أين تضرب في وجه ذلك الجدار الأسمنتي، الذي يتوهم انه مطلق، متناسيا أن السياسة علم وفن الممكن، فبالأمس القريب كان الإنسان البدائي يهدم ويكسر صخوره بيده، مستخدما طاقته الجسمانية، ولكنه اليوم صار يكسر صخور جبال صلدة بأصابع ديناميت، فمن خلال عقله نجح في كيفية فهم هدم الأشياء وإعادة بنائها.
ما ينطبق على أية قوة سياسية سابقا سينطبق على إخوتنا في الجمعيات الدينية، ومن يتوهم إن الانتصار التاريخي هو ليس بأكثر من مسألة نسبية في حركة التاريخ ومساره، فانه لا يعي ولا يفهم بأكثر من مسافة أرنبة انفه. انه وهم إيقاف حركة العقل عن التفكير وانخراط الإنسان بهدوء وصمت في انشغاله بالثورة الجينية، التي تمضي نحو المستقبل بتبديل أمور لا يمكن تخيلها، تفوق ما نملكه من الكترونيات أولية. المجد للعقل، والمجد للحياة والمجد للتاريخ، عندما يزلزل تحته كل جبروت الطغيان والتخلف الساعي عنوة لإيقاف نهر الحياة الجارف.
هنيئا للمنتصرين الآن وبعد غد، ولكن ماذا عن المستقبل البعيد وليس مجرد دورات نيابية – نعرف جميعنا طبيعتها – يتمرن فيها الشعب والجيل الجديد كيف يتلمس القشعريرة السياسية المتقلبة المرتبطة بالانفعال السياسي وغياب الوعي العميق بماهية التاريخ .
صحيفة الايام
6 يوليو 2010