استمتعت بقراءة حكايات الكاتب الصحافي قاسم حسين عن طفولته وصباه التي جمعها كتاب صغير، تضمن أيضاً مجموعة من الصور العائدة للمؤلف في تلك المرحلة المبكرة من حياته، عنّونه باسم «روافد من بلادي».
وقاسم حسين من الكتاب الذين تحظى مقالاتهم بمتابعة القراء، لحرصه على أن يكون قريباً من معطيات الحراك السياسي في البحرين في هذه المرحلة.
أكثر ما أمتعني في الكتاب هو حديث الكاتب عن أماكن أعرفها حق المعرفة، فرغم أني أكبره سناً، ولكن بأقل مما كنت أتوقع من السنوات، حين اكتشفت أننا كنا في مدرسة واحدة في الآن ذاته، هي مدرسة الخميس الابتدائية الإعدادية يومذاك، رغم أني كنت، بحكم السن، في صفوف أعلى، ولكن يبدو أن الفترة كانت متقاربة لدرجة انه يتحدث عن معلميه الذين كان بعضهم قد علموني قبله في الصفوف الأولى من المدرسة إياها.
بعين الطفل الراصدة وبذاكرته اليقظة يروي قاسم حسين حكايات عن مدرسته وعن قريته بلاد القديم، التي أعرفها بعض الشيء، لا لكون المدرسة قريبة منها فقط، وإنما لأنها القرية التي عاشت فيها إحدى خالاتي رحمها الله، ومازال أبناؤها الأحياء يقيمون فيها.
ويرصد الكاتب ذكرياته عن مواقع أثيرة في القلب كمسجد الخميس، وسوق الخميس قبل أن تندثر، والعيون المحيطة بالمدرسة أو القريبة منها مثل عين عذاري وعين قصاري وعين أبوزيدان، وهي مرابع ذكريات حميمة فقدناها تباعاً، فلم يعد سوى الحنين إلى أيامها سلوى تعوض بعض ما فات.
سيقطع قاسم حسين في تدرجه الدراسي نفس المسار الذي اجتزته، فيذهب إلى مدرسة النعيم ليجتاز فيها الصف الأول من الثانوية، قبل أن ينتقل مثلي إلى مدرسة الحورة الثانوية، لذا وجدت في حكاياته ما يلامس مناطق مؤثرة في نفسي، خاصة وانه روى تلك الحكايات بأسلوب يجمع بين البساطة والتشويق.
إلى ذلك سيأخذنا قاسم إلى مذاق تلك السنوات المفتقد، إلى لياليها الرطبة وأيامها المليئة بمتعة الاكتشاف، وتلمس الخطوات الأولى على طريق الحياة، بكل ما في ذلك من متعة، يوم كانت بحرين الستينات والسبعينات تعاين نفسها بوعي وهي تزج نفسها بجسارة في مسار الحداثة والتغيير.
مازلت أذكر مقالاً كتبه قاسم حسين عن الشهيد سعيد العويناتي، رفيقي وصديقي الحميم، ابن بلاد القديم قرية قاسم، كتبه أيضاً بعين الصبي الذي يتذكر ذلك الشاب الوسيم بخصلات شعره الكثيفة المنحدرة على جبهته، تتحرك كلما استدار بوجهه. في ذاكرة قاسم برزت صورة سعيد الشاب الذي يحمل بين يديه كتاباً، وهو يقف بانتظار باص النقل العام.
لقد رحل سعيد باكراً بالشكل الفاجع الذي يعرفه الوطن، ولو انه عاش أكثر يا قاسم، وقدر لك أن تقترب منه بعد أن تكون قد كبرت قليلاً، لاكتشفت أن من الكتب التي يحملها بين يديه، والتي لن يتردد في إهداء بعضها إليك سيطل وجه بابلو نيرودا وناظم حكمت ولوركا، حيث بهجة الشعر وثورته.
ربما كانت الأقدار ستضيف إلى حكاياتك الجميلة التي جمعتها في روافدك، حكاية أخرى عن سعيد الذي مررت بجواره، ولكن خطاه إلى الموت المبكر كانت أسرع، لأن الوطن ساعتها ضاق حتى على الشعر والشاعر.
صحيفة الايام
5 يوليو 2010