المنشور

إمكانيات الليبرالية الوطنية


على الرغم من ان التاريخ السابق يكتم أنفاس الحريات السياسية فإن مجتمعات الخليج كانت تتطور في مسائل الحريات الاجتماعية والفكرية، وكانت تتوقعُ مع عهودِ الانفتاحِ السياسي أن تغدو البرلمانات مراكز لصياغةِ الحريات العامة وتعزيزها.
لكن هيمنة المحافظين المذهبيين على هذه البرلمانات وجهت المسار إلى الوراء، وضاعتْ المسألةُ المحورية في إعادة لحمة شعوبنا على أساسٍ عربي ديمقراطي إسلامي إنساني.

لكون السياسيين السائدين مذهبيين هو أمرٌ في حد ذاته يجلبُ كلَ مشكلاتِ الانقسامِ بين المسلمين أو بين المواطنين، وحين ينقسمون تصعب إدارة أي نضالٍ وطني ديمقراطي بين الشعب نفسه، وبين الشعب والدولة، ويصبحُ كلُ صراعٍ تهديدا لوجود الوطن ذاته، وتتداخل الخيوطُ بين الداخلِ الوطني التائه في صراعات، وبين الخارج صانع الدسائس أو المستثمر للصراعات، وبهذا تنسدُ الآفاقُ أمام أي نضالٍ عقلاني مستقبلي، وتنفتحُ دهاليزُ الماضي، وتقوم كلُ طائفةٍ بتصويرِ نفسها أنها صاحبة الحق.

إن التشكيلات المذهبية السياسية هي بحد ذاتها مشكلة، وهي بحاجة إلى إصلاحٍ أولي، حتى تستطيع أن تصلح الآخرين، أي أن تتقدم لقراءة الديمقراطية العصرية داخلها بشكل حقيقي.
وبالتالي فإن المذهبيين السياسيين بحاجةٍ إلى إعادة النظر في فهمهم الإسلام وفهم الديمقراطية والحداثة وأن يقاربوا كل ذلك، وبالتالي يشاركوا في العملية السياسية التغييرية الحقيقية.

وهذا القفز الذي حدثَ هو بفعلِ قطع العملية الديمقراطية البحرينية الوطنية وما ترتب عليها من نتائج ومشكلات، ومجيء عملية التحول الراهنة في فترة اضطرابات من كل نوع وخاصة صعود الدول الطائفية، وبعد التضييق الطويل على الجماعات الليبرالية والوطنية.

لكن بعد عدة سنوات من التجريب السياسي العفوي في ظل عملية سياسية غير علمانية تمنعُ المتاجرة السياسية في الإسلام، توجهت قوى المذهبيين السياسيين بكلِ فرقهم التي لا تتوقف إلى التفتت والصراع، بعد افتعالهم عمليات اضطرابات سياسية واجتماعية فوضوية غير مسبوقة في تاريخ البلد.

وجاءتْ ضرورةُ التوحيد، وشعر المواطنون بضرورة تجاوز هذه المرحلة الكئيبة من تاريخ البلد، حيث صار النضال إما اسطوانات “سلندرات” تتفجرُ في الأحياء وتروع الآمنين وتحرقُ مؤسساتهم الاقتصادية والسكنية، وإما إطاراتٍ محروقة في الشوارع تنشرُ الأمراضَ وتعرّضُ البشر السائرين في الشوارع لأفدح الأخطار الشخصية والصحية وهي كذلك صدامات وخسائر غير مفهومة وغير عقلانية.

كان لابد أن تظهر قوى اجتماعية تتجاوز الانقسام ووسائل العمل السياسية الضيقة وتناضل من أجل الحريات، وكان الليبراليون والتقدميون هم القوى التي برزت في الساحة من أجل ذلك.
أهم ما طرحوه هو النضال المشترك للمواطنين بغض النظر عن مواقعهم السياسية والأسرية، فكل المواطنين يجمعهم قاربٌ واحد، ومن دون مكافحة الأخطاء الكبيرة في البداية وهي الفساد وتقزيم المواطنين وحل المشكلات الكبيرة في العمل والإسكان والصحة والتعليم، فلا مجال لتغيير حقيقي.
إن تجاوزَ مرحلة المذهبية مسألةٌ صعبةٌ وهي تحتاج إلى تغييراتٍ في المنطقة، وإلى غيابِ أنظمةِ الشحن الطائفية وتفجير الخلافات بين المسلمين، لكن لا يمنع ذلك من توسيعِ رقعةِ التوحيد بين مواطنينا، وجعلهم يناضلون من أجل الحرية ومكافحة الفساد والتطرف وتقزيم البحرنة.

إن إمكانيات الليبرالية البحرينية المحدودة تتمثل في وجود شخصيات وفئات صغيرة تطرح أفكار الحريات المجردة في أغلب الأحيان، وهي عملياتُ تنويرٍ مهمة، ولكن الناس تريد خبزاً ووظائف وبيئة سليمة وشوارع لا تشهد مثل هذا الزحام الخانق. تريد تنظيماً وتخطيطاً لكيفية تحويل الموارد إلى خدمات، فلابد أن يتقدم الليبراليون بخططِ عملٍ لذلك، وببرامج اقتصادية تخفف من هيمنة الوزارات على الاقتصاد وتوسع العمالة البحرينية وتقدم للنساء وظائف أكبر، ووجود ليبراليين أرباب عمل وسياسيين ذوي شعبية يقرأون الواقع بدقة هو المطلوب إضافة إلى التنوير.

ولا شك أن التقدميين البحرينيين يمكن أن يرفدوا “تيار” الليبرالية هذا بدعمهم الفكري، ومساعدتهم السياسية ومشاركتهم معهم في النضال لتوسيع الحريات الاقتصادية والسياسية والفكرية، ورأب الصدع في الحياة السياسية وتكوين جماعات لا أحد يتساءل عن مذهبها وطائفتها.

الليبراليون يطرحون أهمية توسيع الحريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ومن وجهة نظر أرباب الأعمال عادة، وهي حريات مهمة، لكنهم لا يطرحون حريات وحقوق العمال. ولهذا فإن العمل المشترك بين الليبراليين والتقدميين يمكن أن يجمع هذين الجانبين ويتم الوصول إلى جوانب مشتركة، كما أنه يمكن أن ننشئ جمهوراً واسعاً.

المواطنون ملوا ظروف الاستدانة والبطالة ومشكلات الحياة والبيئة وارتفاع الأسعار وجمود الأسواق والعمالة السائبة، ويريدون قوى ذات تأثير في الحياة السياسية والاقتصادية وقادرة على تغييرها نحو الأفضل.
 
أخبار الخليج  3 يوليو 2010