المنشور

التغييرات التي طال انتظارها

لسنا هنا لمناقشة الدور الذي لعبته أو مارسته الدولة ومدى حجمه أو تأثيره سواء في انتخابات عام 2002 النيابية أم في انتخابات 2006 ومدى رضاها عن تركيبة وأداء النواب في كلا الفصلين النيابيين لكن من الثابت والمؤكد أن الحكومة لم تكن راضية كل الرضا عن أداء مجلس النواب الثاني وعلى الأخص بسبب ما جرى ودار خلال عامه الأخير (2009 ــ 2010) والأسباب هنا يطول تعدادها وشرحها في هذه العجالة لكن وصول المجلس إلى درجة مرَضية من المماحكات والاصطفافات الطائفية بات يحرج الحكومة في الداخل كما في الخارج ويقوّض سمعة المملكة وشعب البحرين دوليا حتى على الرغم من أن النواب هم الذين يتحملون المسئولية الأولى عن رسم هذه الصورة المشوهة لسمعة البحرين السياسية والوطنية.
أما حينما بدت الكتل النيابية تتوحد فقد جاء توحدها حول قضيتين مزعجتين للسلطة التنفيذية: الأولى: حول القرار المتعجل المعروف بتأثيره في الاستثمارات السياحية، وقد توحدت الحكومة والقوى الليبرالية خارج المجلس في التعبير عن امتعاضهما الشديد من القرار، وشعرت الحكومة عندها بالأثر السلبي للتغييب المطلق الكامل للتيار الليبرالي المعتدل في تركيبة المجلس وأدركت خطأها بعدم مبالاتها لاستخدام نفوذها الخلفي لدعم هذا التيار أو الوقوف على الأقل على الحياد في المعركة الانتخابية التي خاضها، وان انفراد قوى الإسلام السياسي بشقيه بتركيبة المجلس لابد أن يؤثر في منعطف من المنعطفات في مصالح الحكومة ورجال الأعمال على حد سواء وهذا ما حصل.
أما القضية الثانية فتتصل بما بات يعرف بملف العقارات وأراضي الدولـة غير المسـجلة، أو الـتي مسـجلة باسـمها وآلـت إلى مسـتثمرين ومـلاك في القطـاع الخـاص وبخـاصة الأراضي المدفونة، وباختصار شديد آلت إلى أملاك خاصة وهو ملف بدا شائكا وحساسا وشديد الازعاج ليس للسلطة التنفيذية فحسب بل لشريحة كبيرة من رجال الأعمال والمتنفذين على حد سواء.
وتأسيساً على هذه المعطيات بات في حكم المؤكد ألا تقبل السلطة التنفيذية أن تُلدغ من جحرها أكثر من مرتين ويتوهم من يظن انها ستترك الحبل على الغارب وتتفرج على الانتخابات القادمة من دون أن تمارس ما هو متاح لها من وسائل وأدوات نفوذ – المشروعة منها على الأقل – في اللعبة الانتخابية لتتمخض نتائجها عن تركيبة تحظى بقدر من توازنات القوى المجتمعية الحية الفاعلة بصرف النظر عن نصيب كل تيار في التركيبة.
ومن ثم فإن وجود تمثيل للتيار الليبرالي العريض بمختلف ألوان طيفه، وعلى الأخص الممثل لفئات رجال الأعمال أو بعضها على الأقل، بات قضية آنية تؤرق الحكومة ورجال الأعمال مثلما تؤرق التيار الليبرالي على حد سواء أيا تكن نسبة هذا التمثيل أو حظوظه من اجمالي كراسي مجلس النواب القادم.
وإذا كانت السلطة التنفيذية تملك – كما ذكرنا آنفاً – وسائل وأدوات نفوذها في المجتمع لدعم الوجوه الليبرالية ــ أو بعضها ــ المترشحة إلى الانتخابات النيابية القادمة ولن تألو جهداً لممارسة هذا الدور المنتظر، فمن باب أولى أن تكون عينها حاضرة على إحداث تغيير ملموس منتظر من جانبها ليكون فاعلا وكفوءا وندا في مواجهة الغرفة المنتخبة وبخاصة عند التعاطي مع القضايا المهمة الطارئة.
وهذا التغيير المتوقع أن تقدم عليه القيادة السياسية يفرض نفسه وتفرض الحاجة إليه بعد مرور عشر سنوات على ما يشبه الجمود والركود في العملية السياسية عبر تشكيلتين في غاية الأهمية لدفع العملية الإصلاحية قدماً: الأولى: تتمثل في إحداث تغيير في تشكيلة مجلس الشورى القادم، والثانية: تتمثل في إحداث تغيير ملموس في التشكيلة الوزارية المنتظر إعلانها عشية انعقاد الدورة البرلمانية المقبلة.
وفي كل الأحوال فإن الأمر مرهون بما سيجري في الخريف القادم موسم التغييرات السياسية التي طال انتظارها منذ انطلاقة المشروع الإصلاحي قبل عشر سنوات.

صحيفة اخبار الخليج
28 يونيو 2010