عندما يلتئم المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في المنامة غدا لبحث رؤية مملكة البحرين لتطوير المجلس فإنّه في الغالب سيواصل السير على النهج التقليدي المحافظ، الذي اعتدناه لاجتماعات المؤسسات المختلفة لمجلس التعاون منذ تأسيسه في العام 1981، وهو نهج متحفظ تجاه أي دعوات جديّة للتطوير والتغيير؛ ويميل نحو الإبقاء على الأوضاع القائمة على ما هي عليه؛ ومحاولة تجميل صورتها وإخفاء عيوبها ونواقصها مهما كانت هذه العيوب بيّنة والنواقص ظاهرة!
وبالتالي فليس من المتوقع أن تتجه مناقشات المجلس الوزاري غدا نحو تشخيص صريح واضح ومستحق للعوائق البنيوية في تركيبة مجلس التعاون الخليجي، التي عرقلت تطور صيغة مجلس التعاون؛ وأبقته بعد مرور نحو ثلاثة عقود على تأسيسه في النطاق الحالي لحدوده الدنيا المتواضعة، وذلك من دون التقليل من أهميتها، بل أنّ هذه العوائق البنيوية تمثّل تحديات قوية تقف في وجه استمرار هذه الصيغة التنسيقية نفسها، وذلك قبل تطويرها، إذ يكفي للدلالة على هذا الاستنتاج أنّ مشروع الاتحاد الجمركي الخليجي بعد سبع سنوات على انطلاقته لا يزال يواجه العديد من الموانع والتعقيدات، وهناك تحفظات معلنة على العملة الخليجية، وهذا ما يمنع عمليا تحقيق طموح السوق الخليجية المشتركة، التي يفترض أن تمثّل الأساس الاقتصادي للوحدة الخليجية.
إنّ العائق البنيوي الأول والأهم يتمثّل في غياب المشاركة الشعبية في مجلس التعاون، فهو مجلس فوقي لا أساس قاعديا شعبيا يقوم عليه؛ ويشارك في وضع تشريعاته وفي الرقابة على أعماله، ناهيك عن الأثر السلبي لغياب أو محدودية المشاركة الشعبية على المستوى الوطني في معظم بلدان الأعضاء على مثل هذه المشاركة المفقودة على مستوى المجلس.
والعائق البنيوي الآخر هو الطابع العائلي لهذا المجلس، الذي وإن كان يحقق درجة من التقارب الاجتماعي بين أطرافه، إلا أنّه في المقابل يعيق الانتقال بأوضاع المجلس وعلاقات بلدانه إلى صيغ تنسيقية أو توحيدية أرقى من شأنها دمج الأسواق المحلية المتعددة في سوق واسعة واحدة، أو إقامة كيان اتحادي كونفدرالي أو فيدرالي، ناهيك عن التعقيدات والرواسب والحساسيات التاريخية بين بعض هذه الأطراف، التي تتجلى أكثر ما تتجلى في المشكلات الحدودية.
أما العائق البنيوي الثالث فهو تماثل اقتصادات بلدان المجلس، فهي في الغالب دول مصدّرة للنفط يمكن أن تحقق التنسيق المطلوب بينها في إطار الأوبك وليس ضمن مجلس التعاون، وهذا التماثل الشديد لاقتصاداتها يحول دون تكاملها… وهذا ما يفسر ضعف التجارة البينية لدول المجلس!
وهناك عوائق أخرى تتصل بالتفاوت في بعض مستويات التطور السياسي؛ أو الاقتصادي؛ أو الاجتماعي بين بلدان مجلس التعاون، وهذا ما نلحظه على سبيل المثال في التمايز بين هذه البلدان والمجتمعات في وجود تنظيمات دستورية وبرلمانية أو انعدامها، والتباين في مستويات الدخل والمعيشة وأسلوب الحياة ودرجات التسامح أو التشدد في التعامل مع المرأة والمذاهب الإسلامية.
باختصار، فإنّه من دون تشخيص صريح لهذه العوائق البنيوية في تركيبة مجلس التعاون فإنّ أي محاولة تطويرية لهذه الصيغة التنسيقية المراوحة في مكانها لن يكتب لها النجاح، أو أنّها ستكون محدودة الأثر والفاعلية، ولن تحقق النقلة المأمولة إلى صيغة أرقى وأوسع… ولا أحسب أنّ اجتماع المجلس الوزاري غدا وتوصياته في شأن رؤية مملكة البحرين لتطوير مجلس التعاون ستقدّم جديدا مختلفا عما اعتدناه!
***
“الحرية لسجين الرأي محمد عبدالقادر الجاسم”!
جريدة عالم اليوم 21 يونيو 2010