منذ سنوات فتحت صفحة « مدارات» في «الأيام» ملفاً عن الخطاب بين الدولة والمجتمع، أي حول الطريقة التي تدير بها الدولة خطابها الإعلامي، وكذلك القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة.
ويمكن العودة لهذا الملف لنجد أن الكثير من أراء المشاركين فيه ما زالت تحتفظ بصحتها وراهنيتها، لكن يظل أن هذا الأمر يتطلب المزيد من تسليط الضوء عليه، لأنه يبدو صحيحاً أن طرفي العلاقة في إدارة الخطاب، أي الدولة ومؤسساتها من جهة، والقوى الاجتماعية والسياسية المختلفة من جهة أخرى ما زالا يديرانها وسط مناخ يتسم بعدم الوضوح ونقص الشفافية، دون أن نغفل التحولات الايجابية التي جرت خلال السنوات المنصرمة منذ أن انعطفنا نحو جو الإصلاحات والانفراج السياسي الذي وفر مقداراً معقولاً من الحريات، من واجبنا الحفاظ عليه من خلال السعي لتطويره وتعميقه.
النقطة المهمة في هذا المجال إن ما طرأ على خطاب الدولة، في علاقتها مع الرأي العام وفي علاقتها مع القوى الاجتماعية والسياسية ومع مؤسسات المجتمع المدني، يظل محدودا بالقياس لما هو مطلوب. انه في الحقيقة انطوى على مقدار من التكييف لا من التغيير الجذري المطلوب، ونعني بالتكييف هنا تكييف ما اعتدناه من خطاب رسمي سابق مع المستجدات التي نشأت في البلد بعد الإصلاحات وعودة الحياة البرلمانية للبلد، فما زالت تشوب هذا الخطاب مقادير من التوجس التي طبعت العلاقة في الفترة السابقة.
والإنصاف يقتضي القول أن الصحافة البحرينية وفرت مقداراً من التواصل بين الجهتين الرسمية والشعبية، ولكن هذا القول يتطلب إضافة مهمة فحواها أن الأمر عائد في درجة أساسية لما أظهرته الصحافة ذاتها من ديناميكية وحيوية في متابعة الحراك السياسي في المجتمع، نحن نعلم أن البنية التشريعية والقانونية الداعمة لحرية وسائل الإعلام والصحافة في مقدمتها لم تشهد تطوراً يعتد به، وعلينا هنا التذكير بالجدل الذي ما زال مستمراً حول قانون الصحافة الذي مازال حائراً ضائعاً في أروقة السلطة التشريعية التي لم تظهر للأسف الحرص المطلوب منها في الدفع بهذا القانون إلى النور. كأن هذا يؤكد مجددا القول من أن حريات الأمر الواقع التي فرضتها الديناميكية التي ترافقت مع مشروع جلالة الملك للإصلاح، ومجمل التطور الاجتماعي السياسي والوعي العام في البلد سابق بكثير لما تتيحه التشريعات النافدة من حقوق وحريات، حيث لا تزال هذه التشريعات، في قديمها الموروث وفي جديدها أيضا محملة بالألغام الكثيرة التي يمكن أن تنفجر في العاملين تحت مظلة هذه التشريعات في أية لحظة .
حين يدور الحديث عن شفافية ووضوح الخطاب تتوجه الأنظار نحو السلطة التنفيذية بالذات، لأنها أولاً مصدر المعلومة الرئيسي، ولأنها ثانياً المسؤول عن وضع وتنفيذ الخطط والبرامج التنموية والاجتماعية وسواها التي من حق الرأي العام أن يطلع على تفاصيلها، فيما مساحة المسكوت عنه أحياناً أكبر من مساحة الأشياء التي تقال، وأغرب ما في أمر الأشياء المسكوت عنها أنها معروفة، وان الناس تفكر فيها وتدركها، ولكن ثمة دائما ما يمنع أو يحول دون الاقتراب منها بالوضوح الذي تفرضه أهميتها.