المنشور

قراءة في نتائج تقرير الراصد

قد نختلف أو نتفق مع بعض التفصيلات الواردة في تقرير الراصد الاجتماعي لعام 2009 وهو التقرير الأخير الصادر عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، لكننا حتما يجب أن نقرأ التقرير بكل ما ورد فيه بغية معرفة المزيد من التفاصيل التي نرى أنها ضرورية لفهم واقع الحال في أي دولة من الدول التي يعرض لها التقرير بالرصد والمتابعة، وبحسب طبيعتها فان تقارير الراصد في مجملها تمثل جزءا من وجهة نظر الجانب الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني في الدول التي يُقدم التقرير تفاصيل عنها من خلال ما يقوم به من متابعات. فشبكة المنظمات العربية غير الحكومية هذه والتي تضم أكثر من 60 عضوا حول العالم، كثيرا ما تعرض بالتفاصيل والأرقام حقائق متعلقة بقضايا محددة ترتبط ارتباطا وثيقا بمسائل من بينها الفقر والتضخم والبطالة والعمالة وقضايا التمييز والأمن الاجتماعي ومعدلات التعليم ومستوى الخدمات والسكان والتنمية بشكل عام.
في تقريرها الأخير عن البحرين، الذي نحن بصدد محاولة تحليل بعض ما جاء فيه، نجد أن هناك تركيزا مكثفا حول مجمل القضايا التي تشغل بال المجتمع الأهلي والحكومة على حد سواء، ربما يكمن الفرق في طبيعة أو تباين المعلومات التي يطرحها التقرير والتي نجدها تنحاز كثيرا إلى ما تطرحه قوى المجتمع المدني والقوى السياسية من مخاوف وقلق حول مجموع تلك الملفات المؤرقة للسواد الأعظم من الناس، في مقابل ما ننتظره بطبيعة الحال من أرقام ومعطيات من طرف الجانب الرسمي، وجميعها بكل تأكيد تحتاج إلى قراءة متأنية تبتعد عن أي منحى لشحن أو تجيير من شأنه أن يفسد قيمة ما احتواه التقرير من حقائق لا شك أنها تحتاج إلى معالجات موضوعية، نجد إن استسهال تأخيرها قد يقود إلى جملة من العقد والمصاعب التي ربما تتعذر معها الحلول المطلوبة مستقبلا.
في البداية يؤكد التقرير على أنه لا يمكن للبحرين شأنها شأن أي دولة في هذا الكون أن تعزل نفسها عن باقي دول العالم، فعملية العولمة التي لا جدال حول حجم تأثيراتها باتت تفرض شروطا والتزامات لا سبيل لتجاهلها مهما حاولنا، ولذلك تبرز الحاجة مع هكذا مسلمات إلى ضرورة وجود استراتيجية واضحة لاحتواء تأثيراتها السلبية وحماية المجتمع منها أو التعاطي مع ما تفرزه العولمة من إيجابيات ومكاسب و حتى تحديات ثقافية واجتماعية واقتصادية بمسئولية.
وفي التقرير المذكور إشارة واضحة إلى توجه الدولة للأخذ بنظام الاقتصاد الحر والذي يعني التقليل من تدخل الدولة في ادارة الاقتصاد، والذي استدعى بالفعل أن تتخلى الدولة بالتدريج عن تقديم خدمات ضرورية ترتبط بحياة المواطن بشكل يومي ومنها الكهرباء والماء والنقل وفتح وتخصيص بعض القطاعات الأخرى كالتعليم والخدمات الصحية وبعض القطاعات كالجمارك والموانيء والاتجاه لتخصيص مشاريع كبرى كالالومنيوم والطاقة أسوة بما يحصل في قطاعات أخرى. هنا يشير التقرير الى بعض الانعكاسات السريعة التي حدثت في المجتمع ومنها ما يجري على صعيد الإسكان حيث يتم العودة مجددا وبصورة متزايدة إلى الوضع السابق للأسر الممتدة، خاصة مع تزايد الطلب على الخدمات الإسكانية وعجز الدولة عن الوفاء بإلتزامتها كاملة نتيجة عدة اعتبارات منها عدم توفر الموارد المالية وشح الأراضي وغيرها. كما يشير التقرير إلى معضلة أخرى هي زيادة تدفق العمالة الأجنبية نتيجة ما استطيع ان أسميه فوضى المشهد الاقتصادي لسنوات طويلة، وتراخي السيطرة على تدفق تلك العمالة، ولذلك وجوه فساد أضحت منتشرة ومنها المتاجرة في التأشيرات بما يسيء لسمعة البلد فيما يرتبط بالاتجار في البشر بالإضافة إلى المشاكل الاجتماعية وزيادة معدلات الجريمة. ويسرد التقرير مشاكل أخرى ترتبط بمعدلات الأجور والعمالة الرخيصة وحجم المنافسة غير العادلة في سوق العمل والتي تنعكس على معدلات البطالة التي من وجهة نظري هي الآن تحت السيطرة الى حد ما، ولكن ذلك فقط بسبب ما ضخته الدولة من أموال لعمل حل جزئي لهذه المشكلة وهو حل ربما لا يكون متوافرا على الدوام بكل أسف!
مفيد أن ندرس ما أشار إليه التقرير حول وجود عائلات بحرينية تعيش على راتب 120 دينار مع التزايد المضطرد لأعداد الأسر المستفيدة من خدمات التنمية الاجتماعية، والتي استدعت برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبعض الباحثين المستقلين لتشخيص ذلك بسبب وجود فقر نسبي في البحرين. على أن أخطر ما في الأمر هو ما أشار إليه التقرير حول الخلل السكاني بوجود الجاليات الآسيوية، ما يجعل من ذلك تحديا اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، وهو ما سمَاه التقرير من حالة انعدام للتوازن المجتمعي.
كل التفاصيل وغيرها عرضها تقرير الراصد كما عرضتها عدة تقارير سابقة، ويصح القول معها أن حجم ونوعية الحلول التي تقدمها الدولة ينبغي أن تتناسب وحجم المصاعب الموجودة على الأرض، وهي في مجموعها أهم وأكبر التحديات أمام البحرين ورؤيتها الاقتصادية التي نتمنى أن تتعاطى مع تلك المعايشات والوقائع بفهم وعمق.
 
صحيفة الايام
16 يونيو 2010