رحل الرفيق عبدعلي “ابوأنس” من غير أن يري حلا لقضية شعبه التي طرحها طوال تاريخ نضاله المجيد حتى يومنا هذا، فلقد طوى صفحاته و سكت قلمه ، ورحل!
رحل بدون وداع ، رحل بعد أن دك المرض عافيته دكا وهو لا زال يتابع طريقه الذي اختطه طوال مسيرته النضالية، طريق الصدق والإخلاص لوطنه وحزبه، وواصل المسيرة في الطريق الشائك حتى آخر نسمة في حياته.
رحيله المباغت كان صدمة لكل محبيه، وفاجعة كبيرة لأهله، ولرفاقه في المنبر التقدمي ففي ظهيرة هذا اليوم السبت 12 يونيو 2010 شيع رفاقه في المنبر التقدمي وأصدقاؤهم وأهله شيعوا جثمانه إلى مثواه الأخير بعد موت خاطف غادر.
وداعاً.. أبا أنس، خسارتنا كبيرة بفقدانك، أيها الغائب عنا، والباقي فينا!
قضيتنا هو عنوان موضوعه الأخير الذي نشر في نشرة التقدمي عدد يونيو 2010
قضـيتنـــا
قضيتنا لها شرح بسيطٌ واحدٌ
لنا وطنٌ كما للناسِ أوطانُ
وأحبابٌ وجيرانُ
وكنا فيه أطفالاً وفتيانا
وبعض صار يكتهلُ ..
مظفر النواب
منذ العشرينات من القرن الماضي والعرائض الشعبية تحمل مطالب المواطنين ولم تكن الاستجابة لهذه المطالب سهلة بل كانت شبه معدومة وكانت تتجدد بموجب الظروف وهي في النهاية أمانٍ شعبية لتحسين أوضاع المجتمع . ومرورا بالأحداث السياسية نرى أنّ حركة الهيئة كانت تطرح هذه المطالب بشكل واضح وجريء خاصة عبر الصحافة في ذلك الوقت وبعد ضرب الهيئة كاد الصمت يخيم إلى أن جاء برنامج جبهة التحرير مجسداً هذه المطالب عبر نقاطٍ واضحة ومحددة.
و قد كان طرحه للجماهير مكلفاً، فبدلاً من الاستجابة، كانت هناك الضربات الموجعة إلى أن حلت أحداث عام 65 فظهرت المطالب من جديد وبشكل واسع مكلّفةً سقوط شباب شهداء وسيلان دماء بالرغم من وجود حلول أفضل لا تكلف السلطة هذا العنف المنفرد ولو حاولت الأخذ بهذه المطالب في أوقاتها لعمت الفائدة فبرنامج الجبهة مثلا، لم يحتوٍ على هدم النظام القائم أو تهديده بل كان تقويم الاعوجاج هو ما سعى له.
وكذلك برنامج القوى السياسية الأخرى ومطالبها التي حملتها بيانات انتفاضة مارس وكل الأحداث التي سبقت أو أعقبت تلك الفترة ولقد جاء المجلس الوطني بما يبشر بالخير ولكن من لم يتعود على العطاء يجد صعوبة في تقديم التنازلات.
حُـل المجلس الوطني وكان لحله ضحايا وكل هذا لم يكن له داعٍ لو كان هناك رغبة في الإصلاح بدلاً من التحدي والمواجهة من قبل قوة كبيرة تملك الأجهزة والمعدات وهي قوة السلطة.
حتى لا نطيل في الموضوع سندخل فيه مباشرة فمطالب الشعب في هذه الفترة تكونت نتيجة لثقل ما ينوء به ظهره فالتجنيس خلق مشكلة في كل مكان، فأسرة المستشفيات أصبحت غير كافية والبطالة زادت وأصبح الحصول على عمل معجزة، والأمِّر من هذا أن المواطن يجد الأجانب والمتجنسين يحلون محله في الوظائف، أما الإسكان فإن سنوات الانتظار طالت، فالمال غير متوفر لأنه يرقد بملياراته في بنوك خارجية، كما أن المتجنسين صاروا شركاء في كل شيء بل لبعضهم الأولوية، وهي سياسة عجيبة وغريبة لم يحدث مثلها إلا في البحرين. ويزيد الطين بلة أن هناك من حصلوا على سكن سريع لأن فلاناً أمر بذلك .
وهناك عشرات الآلاف من البيوت الآيلة للسقوط بانتظار أن تسقط على أصحابها تحتاج لبعض الوقت حتى تسكتهم عن المطالبة، والرواتب في البحرين هي الأخرى غريبة، فإلى جانب المتدني منها تجد رواتب بآلاف الدنانير، وليس شرطاً أن يكون صاحب هذه الآلاف صاحب وظيفة ذات أهمية. مثل هؤلاء تزخر بهم وزارات الدولة مثل الإعلام، وفي أمور النقابات هناك جهات لا تعرف العمل النقابي وليس من حقها ممارسته ولا يمكن أن تكتمل الحقوق النقابية إذا اقتصرت على البعض وحُرم منها البعض الآخر. وفي بلادنا كثيرة هي النواقص و الممنوعات.
إن الفساد المادي والإداري والأخلاقي ضارب بجذوره في أرض البحرين؛ لان كل الأوضاع تشجع على ذلك. و في بعض البلدان تظهر فئات تسمى أغنياء الحرب أما عندنا فيوجد أغنياء الفساد. حتى البيئة في بلادنا تلحق الضرر بالمواطن وإذا احتج ووصل صوته إلى الصحافة لا يوجد من يتأثر بذلك من رجالات الدولة، خاصة عندما يكون التلاعب بالبيئة فيه مصلحة لمن يستولون على أراضي الدولة بالمجان .
أراضي الدولة وأملاكها معلقة في الهواء يقتطع منها الكبار ما يشتهون بدلاً من مواجهة المشاكل وحلها يجري التفكير في مواجهة الأفراد والجماعات أما الديمقراطية فتظل ناقصة لأن الدستور ليس هبة من الشعب والنظام البرلماني فيه من الاحتيال الشيء الكثير، فممثلو المناطق غير متساوين في عدد السكان.
باختصار أن العوز والفقر في بلادنا غير طبيعي، فالمداخيل ضعيفة والأسعار مرتفعة.
ومن هنا القول إن قضيتنا لا يراد لها الحل.