وفق المنهج التحليلي العلمي العقلاني ناقش المفكر «محمود أمين العالم» وفي أكثر من موقع مشكلة الإسلام السياسي وظاهرة العنف التي ولأسباب عديدة استفحلت منذ ما يزيد على عقدين من الزمان، مبيناً آفاقها الإيديولوجية وصراعاتها الأساسية التي خاضتها من اجل الحفاظ على موروثات السلف والسلطة الدينية المتزمتة بخلاف بعض المفكرين في البلدان العربية والإسلامية الذين تناولوا هذه الظاهرة بخطاب تبريري توفيقي.
في إحدى مقابلاته الصحفية أجاب على أسئلة أساسية تتعلق بهذه الظاهرة تضمنها كتابه «من نقد الحاضر الى إبداع المستقبل تحت عنوان « أسئلة وإجابات حول الإسلام السياسي وظاهرة العنف» وكان في مقدمة هذه الأسئلة تعيش الأصولية الإسلامية حالة من حالات المد.. فهل يرجع هذا إلى تخلف القوى الفكرية والسياسية الأخرى في المجتمع.. أم يرجع إلى أسباب أخرى؟
حول هذا السؤال تحدث «العالم» منتقداً البلاد العربية لكونها لا تقدم بدائل صحية لكل الأوضاع السلبية، اذ يعتقد ان هذه الأنظمة تفتقر إلى المشروع الاستراتيجي الشامل سواء كان مشروعاً قومياً او اشتراكياً او حتى ليبرالياً رأسمالياً اي فهي أنظمة بلا مشروع، اللهم إلا تقديم بعض الحلول الجزئية لإدارة أزمة واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وان هذه البلدان لا تزال تعيش التبعية الاقتصادية مع الدول الرأسمالية.. ولكنها تفتقد الى الرؤية الموضوعية الشاملة «الإرادة الوطنية» المجتمعية، لذلك برزت الأصولية الإسلامية ليس بمعنى استلهام اصولنا.. وانما لتثبيت وتمجيد بعض هذه الأصولية وبحسب تفسيرها الخاص ومحاولة فرض هذا التفسير الخاص فرضاً على مجتمعاتنا بما لا يتفق مع مستجدات الواقع والحياة والعصر وهي لا تقدم بديلاً اللهم إلا البديل الروحي الأخلاقي العام أي الدين.. بدون أي رؤية موضوعية لمتطلبات الواقع او حلول عملية لمشاكله.. اللهم إلا السعي لإقامة سلطة دينية ولهذا السبب يتحقق هذا المد الأصولي الأخلاقي المتزمت كرد فعل للجزر السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تفاقمه الأنظمة السائدة ولكن هذا المد يعجز عن أن يقدم بدائل موضوعية واستخدام بعض فصائله لعملية الاغتيالات وأشكال الإرهاب المختلفة للمثقفين والسائحين ورجال الأمن والمؤسسات المالية.. لا يستطيع ان يقيم دولة.
وفي رده على سؤال: يربط البعض بين الأصولية كمصطلح والإرهاب كمصطلح.. فهل هناك بالضرورة علاقة بين المصطلحين؟ يقول: هناك ارتباط بغير شك.. فالأصولية الإسلامية تعبر عن الجمود والاطلاقية وفرض رؤية ماضوية خاصة على الواقع هي النظرية العامة وان كانت لها تفريعاتها واجتهاداتها النظرية المختلفة.. والإرهاب ليس إلا التجلي العملي لهذه النظرية، ولما كانت النظرية فيها اجتهادات مختلفة فالإرهاب ايضاً الذي هو تجلٍ لها له تجلياته العملية المختلفة كذلك.. فالارهاب لا يقتصر في عمليات الاغتيال والقتل الفردي والجماعي فحسب بل في الاغتيالات المعنوية ايضاً مثل التكفير، تنفيذ الحدود وفرض الحجاب وتحريم الفنون والتفريق بين الازواج خلاصة الأمر، أن الإرهاب الفكري والعملي هو التجلي لجمود الأصولية النظري وان اختلفت وتنوعت أشكاله ومظاهره.
وثالث هذه الأسئلة: يرى البعض ان تصاعد تيار الإسلام السياسي يمثل خطراً على بنية المجتمع المدني.. فهل ترى ذلك الرأي؟
وحول هذه الإشكالية يجيب قائلاً: نعم أرى هذا الرأي تماماً.. لان هذا التيار يعتقد انه يحتكر الحقيقة ويسعى الى إقامة سلطة دينية بمقتضى هذا الاعتقاد.. وبالتالي ستكون المشروعية في المجتمع مشروعية صادرة عن تصور خاص محدد للدين ومعالجته لمختلف الأمور الدنيوية بمقتضى هذه الرؤية الدينية المحددة وهذا يتحقق بالضرورة بفرض متعسف باسم من؟
باسم الدين.. ما يعني الخطر على المجتمع المدني.. بل والقضاء على إمكانية المجتمع المدني الذي يجب تنميته وتطويره على أساس حرية الاختلاف وحرية النقد وضرورة المشاركة الديمقراطية وحرية الإبداع وضرورة التجديد. وان هذا الفرض من أعلى لمفهوم معين للدين سوف يعطي للسلطة سمة مقدسة وبالتالي فان كل اختلاف معها سيكون اختلافاً مع الدين بحسب فهمهم وهذا ليس خطراً على المجتمع المدني فحسب ولكنه خطر على المجتمع نفسه في بنيته الأصلية.
أما بالنسبة للسؤال: يرى البعض ان الدعوة لتطبيق الشريعة تعتبر نقيضاً للتعددية الدينية والسياسية والثقافية في المجتمع.. فهل ترى ذلك مع مراعاة ان الدستور في مصر مثلاً ينص على أن دين الدولة الرسمي الإسلام.. والشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع؟ يقول: انا لست من أنصار القول بان الشريعة هي المصدر الأساس والوحيد للتشريع.. لان هذا قد يحد من حرية التشريع بما يقتضيه تجدد الحياة وتغير وتجدد المصالح والأفكار والقيم، ان الإسلام بغير شك «بُعد أساس» من ابعاد وعينا الثقافي.. وبل وثقافتنا عامة ولابد ان نستلهمه في اتخاذ مواقفنا من مختلف قضايانا لكن لا ينبغي ان نقف عنده وحده وإنما من الواجب أن نستلهم العديد من الخبرات الدينية وغير الدينية الأخرى التي تمخضت عن خبرة الحياة والتي تتجدد بالضرورة بتجدد الحياة من حولنا، وأنا من أنصار الدولة المدنية التي لا تعني تناقضاً مع الدين وإنما تعني التفتح على الدين عامة فضلاً عن الخبرات والمصالح المتجددة مع تجدد الحياة.
الأيام 12 يونيو 2010