هل كان على العرب أن ينتظروا الهجوم الهمجي لقوات الاحتلال الاسرائيلية على سفن قافلة الحرية التي انطلقت نحو غزة ليتذكروا أن غزة محاصرة، من البر والجو والبحر؟
لن نتحدث عن غفلة أكابرة العالم عن هذا الحصار، فلقد ألف الفلسطينيون مثل هذه الغفلة منذ أن نشأت القضية الفلسطينية، رغم أن الشرفاء في هذا العالم من القوى الأممية، وما أكثرهم، لم يغفلوا يوماً عن المعاناة الفلسطينية الممتدة، وما زال عدد المسيرات والاحتجاجات التي تشهدها عواصم ومدن شتى على ظهر الكوكب يفوق بكثير تلك التي تجري في عواصمنا العربية.
من هؤلاء الأكابرة لم نعتد على الغفلة فقط، وإنما اعتدنا على مظاهر من التواطئ، لولاها لما امتدت المأساة الفلسطينية ما امتدت، لكن حين يدور الحديث عن العرب، حكومات وشعوباً، فان مغزى السؤال الذي صدرنا به الحديث يختلف.
وللسؤال مذاقه المر، فحصار غزة وما نشأت عنه من أوجاع ومعاناة لم يبدأ لحظة أبحر المتضامنون في القافلة المذكورة نحو غزة، وهي تضم أناساً من جنسيات مختلفة، وإنما هو سابق لذلك بكثير، ولكن يبدو أن المأساة حين تتحول واقعاً يومياً يكف الناس عن النظر إليها بصفتها مأساة، كأنهم يألفونها، وكأنهم يفقدون الأمل في القدرة على إنهائها.
وهذا لا يصح على معاناة أشقائنا في غزة وحدها، وإنما على فصول المأساة الفلسطينية المتتالية، وعلى أوجه العدوان والقتل التي يقترفها الغزاة والمحتلون على غير بلد عربي، كالحروب الهمجية على جنوبي لبنان، وكاحتلال العراق وغير ذلك من صنوف الهمجية المعاصرة، التي كان نصيب الشعوب العربية منها، ولما يزل كبيراً.
بهذا المعنى لن توفي كلمات الشكر والامتنان والتقدير حق أولئك الرجال والنساء الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وهو يصعدون سفن قافلة الحرية مبحرين نحو غزة، وهم يدركون أنهم ليسوا في نزهة، فكشفوا للعالم كله، مرةً أخرى بين مرات عديدة سابقة، عن زيف الوجه «المتحضر» الذي يجري تسويقه لإسرائيل، حين انقض جنودها المدججون بالسلاح على ركاب السفينة المبحرين نحو غزة، والعزل من كل شيء، لا من السلاح وحده، سوى من يقظة ضميرهم وعمق إيمانهم بقضية شعب محاصر ومعزول في سجن كبير.
وليس هذا هو المنجز الوحيد الذي حققه هؤلاء الرجال والنساء الشجعان، فهناك منجز أكبر هو أنهم وضعوا العرب جميعاً أمام ما غفلوا أو تغافلوا عنه.
إن رسالتهم قد وصلت بأبلغ ما يكون.
صحيفة الايام
9 يونيو 2010