كثرت جمعيات حقوق الإنسان في البلد حتى إن المهتم بات يخلط بينها، وتداخلت الأسماء وتشابكت في حرب ضروس، وتعاركت داخل البلد وخارجه، لكن هل تغير وضع الإنسان خلال ذلك كله؟إن الصراعَ المذهبي بين الطرفين السني والشيعي السياسي هو الغالب في كل شيء، ولم تستطع الجمعيات السياسية والحقوقية من الخروج عن دائرته الضيقة.كلٌ يسحب الخبز لقرصه وتنوره، لكن الذي استفاد خلال هذه الفترة بقوة كبيرة هم الأجانب بشتى أصنافهم وهوياتهم القومية والعملية، وكان أهل البلد الغلابة في حالة انكماش وتأزم مستمرين.لاتزال الرأسماليةُ الحكومية مهيمنة على الإيرادات والفوائض وتوزيعاتها غير المراقبة وغير المدروسة بدقة، وقد كنا نتوقع أن يركز البرلمان في هذه المسألة المحورية التي تخص كل المواطنين وتخص تطور أجهزة الدولة واستقلالها وتطورها، وأن تكون لدى أعضائه خطة مدروسة لتغيير هذا الواقع الأساسي، لكن البرلمان كان جزءا من الصراع المذهبي، ومستوى وعي أفراده يرتكز على ما يطفو على السطح من بعض المشكلات في الوزارات تبعاً لذلك الصراع وإذا اتفق الطرفان فهو على تقزيم الحداثة التي هي أساس الخروج من مأزق المذهبية المحافظة المتخلفة، إن هذا الوعي غير قادر على الغوص في بنية الدولة واقتصادها وفوائضها وكيفية تقسيم هذه الفوائض بشكل يطور بنية البلد الاقتصادية الاجتماعية التعليمية ويقوم ببحرنتها، وتوطينها، أي يقوم بتوجيه الفوائض نحو التصنيع وتطوير أوضاع العمال البحرينيين كبديل عن الأجانب، وكيف يغير الأجيال الجديدة باتجاه العمالة والعلوم التقنية، وكيف يجذب النساء للعمل.إن حقوق الإنسان ترتبط بالاقتصاد والسيطرة الوطنية العادلة عليه، والاقتصاد المتغير يتطلب عدم التحكم الكلي أو شبه الكلي للدولة في الاقتصاد، بل في الموارد والجغرافيا الأرضية والهواء، وجعل القوى الاجتماعية من أرباب العمل والعمال يشاركون في هذه الإدارة والملكية وتحديد توجه الفوائض وأن تتصاعد المراقبة الاجتماعية على الاقتصاد والبناء الاجتماعي ككل.وقد أدتْ التجربةُ الغضة الانتخابية إلى مجيء صراع الطوائف بدلاً من حوار القوى الاجتماعية المسئولة، أي مجيء أرباب العمل وطرحهم تصوراتهم ومصالحهم، ومدى حدوث التغيير في التحكم الاقتصادي الحكومي الكلي أو شبه الكلي هذا، ومدى قبول الطرفين الحكومي وقوى الصناعة والتجارة آراء العمال والأهالي في العفويات الاقتصادية السائدة.وبدلاً من جلوس القوى الاجتماعية الحقيقية على مائدة الحوار الديمقراطي تم الاستمرار في الصراع المذهبي وفي ذيوله المختلفة. إن عدم حدوث ذلك في هذه العملية الانتخابية البحرينية الأولى هو أمر متوقع، وثمة العديد من التحولات والإنجازات التي جرت في حدود الوعي السائد العفوي عموماً، وفي حدود وضع الخليج المتوتر الموضوع على حافة بركان.لدينا طرفان: طرف يبحث ويغير بعض التغيير وأحياناً يُبرد ويصل للتثليج، وطرف يسخن ويشعل ويحرق!لقد جرت التغييرات في حدود معينة مفيدة ومهمة ولكنها محدودة، والجمهور الواسع لم تعد أوضاعه كما هي قبل عشر سنوات، لقد تغير الوضع الاقتصادي وتصاعدت الأسعار وانخفضت الأجور واحترقت التوفيرات والمداخيل وتفاقمت مشكلات الإسكان والصحة وغيرهما، وقامت القوى الوسيطة باستغلال واسع للعمالة الأجنبية وبنشرها بشكل هائل وحدثت مضايقات وإفلاسات وإنسدادات للعديد من قوى التجارة والعمل، واغتنت النخب الاقتصادية الكبرى بينما تعاني الأغلبية مثل هذا الوضع الاقتصادى وامتداداته المروعة في كثافة الزحام والتلوث وغياب مؤسسات الترفيه والملاحقات التي تجري للفنادق في بلد صغير أشبه بقفص يخنقه الحر والرطوبة.إن العيون التي ترصد حقوق الإنسان فعلا ينبغي أن تكون موضوعية، وليس ثمة موضوعية في كيانات مُسيسة مرتبطة بأجهزة ومنظمات تؤدلج الحقوق حسب إثارتها السياسية وغاياتها الدعائية ومصالحها الشخصية، ومضامينها المذهبية السياسية، ولا يتمثل فيها البحث الموضوعي النزيه وهذا لا يقوم به سوى حقوقيين مشهود لهم بالاستقلالية والبعد عن التحزب والإثارة.إن منظمات حقوق الإنسان إذًا ترتبط بحالة البلد السياسية الموضوعية غير الطائفية، وغير الذاتية السياسية المنتفخة، وأن يتقارب الفرقاء السياسيون الاجتماعيون المتصارعون إلى نقاط مشتركة، تبحرن الاقتصاد والعمال فيه وتعطي الفرص الاقتصادية لأهل البلد، وتكف عن صرف الأموال على المظاهر والاحتفالات الباذخة والمشروعات غير المدروسة من لجان برلمانية وبلدية وأهلية.ولكن الطريق طويل فنحن نرتبط بالفرقاء الإقليميين وبصراعاتهم ومشاكلهم كذلك، وبالصراع العالمي أيضاً، ونحن في هذه المرحلة نشدد على أولويات الحياة والبقاء والتقدم أي على السلام وإبعاد منطقة الخليج عن المحارق الحرارية والنووية، وعلى عدم جعل بلدنا ومنطقتنا ساحة لفوائض العمالة المتخلفة والسلع البائرة وميداناً لسحب الفوائض منها وإرسالها لمناطق أخرى وترك بلداننا تتآكل.ولهذا لابد من قيام الحكومات والمنظمات الأهلية برؤية موضوعية للصراعات السياسية في المنطقة وعدم الانجرار وراء الدول والقوى الشمولية والمحافظة المتخلفة وإثاراتها المستمرة، ومن دون ذلك ستبقى منظمات حقوق الإنسان بل الإنسان نفسه في حالة سيئة.
صحيفة اخبار الخليج
8 يونيو 2010