حسناً فعل المصور المبدع عبدالله الخان الذي وثق بالصورة البليغة جزءا مهماً من تاريخ البحرين الحديث، وحسناً فعل الأديب والمصور حسين المحروس حين أهديا المكتبة البحرينية كتابهما الجميل عن ديمقراطية 1973، فوثقا، بالصورة، مصحوبة بوقفة المحروس أمام بعض محطات المجلس الوطني عام 1973 المهمة.
والكتاب ينشغل بالصورة أساساً وسيلة تعبير وإيصال، ولم تكن مهمة واضعيه أن يذهبا أكثر مما ذهبا إليه في تتبع مسار تلك التجربة الغنية والمفصلية في تاريخنا الحديث، والمآل الصعب الذي انتهت إليه، فأنهيت بسرعة، قبل أن ترسي قواعدها، وقبل أن تتمكن من تكوين التجربة الكافية اللازمة لامتلاك أدوات واليات إدارتها من قبل الأطراف كافة.
في هذا السياق نود طرح بعض الأمور ذات الصلة بالأمر.
أولها السؤال: كيف كانت ستكون صورة البحرين لو لم تُنه التجربة البرلمانية تلك وهي لما تزل في المهد، أو حتى لو لم يطل غياب الحياة البرلمانية عن البحرين كل هذه الفترة الطويلة؟
لا أحد يستطيع أن يرسم صورة دقيقة لما كان سيؤول إليه الوضع، ولكن المؤكد انه كان بالإمكان تفادي الكثير من الآلام والأوجاع التي عانى منها وطننا وشعبنا، وكان بالإمكان تجاوز عقود الاحتقان الطويلة التي مررنا بها، والتي دفعنا ضريبة باهظة خلالها، ولما تراكمت عقد المشاكل والصعاب التي عانينا منها ومازالت آثارها موجود بصورة من الصور هنا وهناك.
لا يجوز الاستخفاف بتبعات هذا الغياب القسري للممارسة النيابية لشعب استحقها عن جدارة خلال عقود طويلة، ولا يصح الاستخفاف بما خلفه هذا الغياب من تبعات على تطور البحرين من وجهة النظر السياسية والاجتماعية والثقافية.
في حفل تدشين كتاب عبدالله الخان وحسين المحروس عن التجربة الديمقراطية في السبعينات كنت تلمس في عيون الحاضرين الذين راحوا يحدقون في معرض الصور المصاحب عن تلك الفترة تحسراً على ما كانت تلك الصور تشف عنه من روح مختلفة للبحرين يومذاك، وهي الروح التي انعكست في نتائج الانتخابات وقوام المجلسين التأسيسي والوطني، وهي الروح التي نفتقدها، إلى حد كبير، اليوم، وافتقدتها، إلى حد كبير أيضاً، مخرجات انتخاباتنا الأخيرة، التي جاءت لنا بمجلس من لون واحد، على تنوع الانتماء المذهبي لأعضائه، فلم يعكس هذا المجلس روح البحرين المتعددة، وما عرف عنها من تنوع ومن تعايش متحضر لمختلف التكوينات.
في صور الخان الناطقة الملتقطة في الشارع وفي الندوات السياسية والانتخابية وفي مقار التصويت وفي ردهات المجلس الوطني ذاته تلمس شيئاً مفتقداً اليوم.
وواجبنا أن نوجه للخان والمحروس تحية الثناء والتقدير لأنهما أعادانا إلى تلك الحقبة، لا لكي يتملكنا الحنين إليها، وإنما أساساً من أجل أن تتضافر جهودنا في أن يكون مستقبل الأيام حاملاً لما افتقدناه، معيداً لهذا الوطن روحه الحية التي كادت أن تختنق تحت أقدام الطوفان الطائفي والمذهبي الذي اجتاحنا، وشوه بنية مجتمعنا، وخلق لدينا انشغالات لم تكن في الوارد، أهدرت منا الوقت والجهد فيما لا طائل وراءه، وأعادت مجتمعنا القهقري.
صحيفة الايام
8 يونيو 2010