منذ تدشين المشروع الإصلاحي تطلع قطاع يشغل نسبة لا بأس بها من الشارع السياسي البحريني إلى بروز تيار وطني ديمقراطي يعبر عن طموحاته، ويميز برامجه عن القوى السياسية الأخرى. ويشكل الرافعة السياسية التاريخية التي بوسعها أن تنتشل هذا المجتمع، من خلال عملية تطويرية سلمية، من موروثات «قانون أمن الدولة»، إلى آفاق المشروع الإصلاحي الرحبة. وعلى امتداد السنوات العشر الماضية برزت بعض المحاولات الفردية والجماعية، آلت نسبة عالية من عضويتها إلى الجمعيات الثلاث: «وعد»، و»المنبر التقدمي»، و»التجمع القومي»، التي شكلت، في نهاية المطاف، وككتلة سياسية القوة الرئيسية المنظمة نسبياً في ذلك التيار. لكنها، وللأسف الشديد، لم تتمكن من التحول إلى «نوتة المركزية»، ومن ثم امتلاك القدرة على قيادته أو استقطاب رموزه السياسية الأساسية غير المنظمة لأسباب كثيرة، موضوعية وذاتية من بين أهمها وأكثرها تأثيراً:
1. استمرار السلطة في حربها على التيار الوطني الديمقراطي، فمهما قيل عن معارك السلطة التنفيذية مع التيارات السياسية الأخرى، تصر تلك السلطة على استمرار معاداتها لهذا التيار. يمكن تلمس ذلك في «المنغصات»، السياسية التي لا تتوقف عنها السلطة ضده، والتي تعبر عن نفسها أحياناً في تعطيل أنشطة منظماته المدنية، أو زجّه في معارك ثانوية تستنزف قواه، وتجرّها قسراً، نحو معارك هامشية، بدلاً من تركيزها على المعارك الرئيسية.
2. عدم ثقة ذلك التيار في نفسه، وشعوره بصغر الحجم مقارنة مع التيارات الأخرى، سلطوية كانت أم معارضة، الأمر الذي يقزم من سلوكه، ويضعه في مؤخرة المسيرة بدلاً من قيادتها. بل يبدو الأمر أسوأ من ذلك، حينما تقطف تيارات أخرى ثمار الجهود التي يبذلها ذلك التيار. والحديث هنا عن مسار تاريخي، وليس إلى حوادث متفرقة هنا أو هناك، أو مرحلة زمنية قصيرة.
3. تخثر تبعات العلاقات التاريخية بين فصائله، وتحولها إلى كتل من العقد السياسية التي لاتزال تحكم العلاقات القائمة بينها حتى يومنا هذا، والتي تمارس أدواراً سلبية ذات أوجه متعددة، تحدّ من انطلاقة ذلك التيار، وتعزز عوامل التناحر، بدلاً من إبراز عناصر التنسيق، إن لم نقل التوحد، كي لا نتهم بالتفاؤل المفرط، مما ينهك قوى التيار ويرغمها على التآكل من الداخل.
تلك كانت مقدمة ضرورية للتمهيد للتوقف عند، ومناقشة ما ورد في مقابلة رئيس جمعية التجمع القومي الديمقراطي حسن العالي مع إحدى الصحف المحلية، والتي استوقفتني عندها تلك الفقرة التي أجاب فيها العالي على سؤال «إلى أين وصلت مسودة التيار الديمقراطي؟». ملخص رد العالي كان أن جمعيات التيار الوطني (المقصودة هنا: «وعد»، والمنبر التقدمي» و»التجمع القومي»)، قد أوكلت إلى «المنبر التقدمي» الذين كُلِّفوا بصياغة مسودة تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات «جمعيات التيار»، مضيفاً، أنه «متى ما تم الانتهاء منها سيدعون (أي الجمعيات) إلى اجتماع بغية إقرار الوثيقة. …وبعد إقرار الوثيقة التي ستنص على أن الجمعيات الثلاث هي نواة للتيار الوطني الديمقراطي، نأمل أن تتشكل آلية من بينها لتباشر الاتصال بكافة أطراف التيار الوطني الديمقراطي من جمعيات وأفراد من خارج إطار الجمعيات الثلاث وذلك للحوار معها».
في البدء هناك نقطة لابد من التأكيد عليها وهي أن معالجة موضوعة «التيار الوطني الديمقراطي» هنا، ليست بأي شكل من الأشكال رداً شخصياً على الأخ رئيس التجمع القومي الديمقراطي، الذي نكنُّ له كل التقدير وللكثير مما جاء في تلك المقابلة. لكن طالما إن مسئولية بلورة «المشروع الوطني الديمقراطي» هي مهمة وطنية، فليس هناك من مناص لأن يدلو بدلوه من يرى في بروز ذلك التيار الوسيلة الأكثر جدوى، إن لم تكن الوحيدة، التي بوسعها، أن تنتشل البحرين من حالة التسمر السياسي التي تعيشها، ومن مستنقع الطائفية التي مرّغت (بضم الميم) فيه، والتي لاتزال ذيوله السلبية تمعن في تمزيق الصف الوطني وتشتت قواه.
يثير ما جاء في مقابلة العالي، بوصف كونه أحد رموز الجمعيات الثلاث القيادية مجموعة من القضايا، الأساسية منها ذات طابع مبدئي نظري، والآخر له مكانة تكتيكية تنفيذية.
على المستوى المبدئي، بوسعنا أن نلفت النظر إلى القضايا التالية:
1. من هي الجهة الوطنية التي نصبت الجمعيات الثلاث «نواة للتيار الوطني الديمقراطي»؟ لا أحد بوسعه أن ينكر دورها الريادي، وليس من حق أحد أن ينتقص من مساهماتها الملموسة، لكن هناك فرق شاسع بين هاتين المكانتين، وبين احتلال موقع «النواة». ربما تستحق الجمعيات هذه المكانة، لكن عليها أن تتقنَّن وفق آليات ديمقراطية تشارك فيها أطراف عديدة، لعل أهمها وأكثرها أهلية هي مشاركة بعض الجمعيات الأخرى، سوية مع منظمات المجتمع المدني، بما فيها تلك المنظمات المهنية، من مستوى جمعية المهندسين، وجمعية الأطباء، بل وحتى جمعيات مثل «جمعية البحرين للإنترنت»، في الوصول إلى مثل هذا القرار.
فمن خلال إشراك منظمات المجتمع المدني تلك تساهم الجمعيات الثلاث في إرساء تقاليد ديمقراطية راسخة في بناء المجتمع المدني المتطور. إلى جانب تلك الجمعيات، هناك الشخصيات الوطنية التي تحمل فكراً سياسياً يقترب، بشكل أو بآخر من التيار الوطني الديمقراطي، هؤلاء أيضاً من حقهم أن يكون لهم صوتهم المسموع في بناء التيار الوطني الديموقراطي، ومن ثم المشاركة في تحديد «نواة» ذلك التيار.
2. إذا تجاوزنا هذه النقطة وانتقلنا إلى النقطة الثانية، وهي الوثيقة التي ستصوغها (مشكورة بتكليف من الجمعيتين الأخريين) «جمعية المنبر التقدمي» ـ وستناقشها الجمعيات الثلاث قبل عرضها على «الجسم الثاني من التيار»، والذي هو، كما ورد في مقابلة العالي، «جمعيات وأفراد من خارج إطار الجمعيات الثلاث وذلك للحوار معها حول تشكيل التيار الوطني الديمقراطي في صيغته النهائية».
بهذا العمل، وأتحاشى قدر الإمكان الحكم بقسوة على الجمعيات الثلاث، لكن أسألها، ومن باب الحرص عليها من ارتكاب أي خطأ يشوّه صورتها في أذهان جماهيرها، ما الذي يميزكم عن السلطة التي تنفرد بصياغة القوانين، دون استشارة القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة؟ بهذه الممارسة، وبوعي أو بدون وعي، نصبت الجمعيات الثلاث نفسها فوق كل من هو خارج إطار تلك الجمعيات.
بهذا المدخل، تكون الجمعيات الثلاث، بوعي أو بدون وعي زرعت طبقية غير مبررة وليست ذات جدوى في صفوف التيار الوطني الديمقراطي، سوف تساهم في تمزيقه بين فئة سلطوية هي تلك التي تنتمي لتلك الجمعيات الثلاث، وأخرى متلقية، مهما رفعت صوتها للنقاش، هي التي تأتي من خارج تلك الجمعيات. ستقيم الجمعيات بمثل هذا المدخل حاجزاً منيعاً بينها وبين الطرف الآخر ممن هم خارجها.
3. ومن الصياغة، ننتقل إلى التشكيل، فمن حق المواطن أن يتساءل حول آلية ومقاييس التشكيل التي سيتم التقيد بها للدعوة لهذا اللقاء الذي ستتمخض عنه ولادة ذلك التيار. فإلى جانب صعوبة التوصل إلى آلية عادلة مقبولة، ستجد الجمعيات الثلاث، أو اللجنة المنبثقة عنها أسيرة دوامة من الآليات والمقاييس التي ستفرض نفسها عليها، مما سيستهلك الكثير من طاقاتها في إجراءات شكلية، بدلاً من التركيز على القضايا الجوهرية.
(2)
من المنطلقات النظرية – المبدئية ننطلق إلى الإجراءات العملية في إعداد الوثيقة التي سوف تتسلسل، كما جاءت في مقابلة العالي، على النحو التالي: «المنبر التقدمي» يضع الصيغة النهائية بعد مناقشتها داخلياً، يجري مناقشة تلك المسودة في صفوف الجمعيتين الأخريين، كل على حدة من أجل إقرارها تنظيمياً، ثم يجري إقرارها على الجمعيات الثلاث قبل عرضها على الصيغة التنظيمية التي سيتشكل منها التيار الوطني الديمقراطي كي يتبناها.
لا يخامرنا الشك في حرص هذه الجمعيات، ومن خلال هذه الآلية على الوصول إلى بناء ذلك التيار، وتنميته، وصيانته، وتوفير جميع الضمانات التي من شأنها حمايته من كل محاولات حرفه عن توجهاته المبدئية، أو تهميش دوره فوق مسرح العمل السياسي البحريني. لكن المشروعات لا تتحقق بالنوايا، وحمايتها لا تضمن بالتمنيات، بل تسيطر على آلياتها جميعاً موازين القوى الفاعلة على ذلك المسرح، ومصالحها المباشرة وغير المباشرة، سياسية كانت أم اقتصادية.
تأسيساً على ذلك يمكن القول إن ذلك المدخل الذي اختارته الجمعيات الثلاث يعاني، على المستوى التنفيذي، من الثغرات الرئيسة التالية:
1. تهميش من هم خارج عضوية تلك الجمعيات، من مؤسسات أو منظمات مجتمع مدني، بل وحتى الأفراد، من خلال دعوتهم للمشاركة في المرحلة الثانية، بدلاً من إشراكهم في المراحل المبكرة منه. قد ترفض الجمعيات هذه المقولة، على أساس أن دور هؤلاء محفوظ في المرحلة الثانية لكنها ستكتشف، ونرجو أن تكون تقديراتنا خاطئة، ذلك عند مناقشة الوثيقة المتبناة من قبل الجمعيات. عندها سينشطر المشاركون في اللقاء الذي ستدعو له تلك الجمعيات إلى شطرين عموديين، يقف على الضفة الأولى منهما الجمعيات التي ستجد نفسها، مرغمة، وبوعي أو بدون وعي، مضطرة للدفاع عن الوثيقة قيد النقاش.
مقابل ذلك وعلى الضفة المواجهة، سيقف كل أولئك المدعوين بمختلف اتجاهاتهم واجتهاداتهم، مقيدين بمشاركات شكلية أو محدودة، شاؤوا ذلك أم أبوا. وفي حال خروج أي منهما عن هذا الإطار، فقد يؤدي ذلك إلى انفجار المؤتمر من الداخل، وهو نهاية لا يتمناها للمؤتمر أي من الجمعيات الثلاث.
2. إهدار الوقت وضياع الفرص، فدورة إقرار الوثيقة النهائي، أدركت الجمعيات أم غاب عن ذهنها ذلك، طويلة جدا، ومقسمة إلى عدة مراحل، تنطلق أولها من قواعد «المنبر التقدمي»، بل أن تصل إلى الجمعيات الأخرى، كي تحط رحالها في قاعات مؤتمر أو ورشة عمل تأسيس التيار الوطني الديمقراطي.
من يراقب ساحة العمل السياسي البحرينية، ويرصد الحيوية التي تتمتع بها، والوتيرة السريعة التي تتطور بها آليات أحداثها، بوسعه أن يقيس كمية الوقت الضائع المطلوب لاجتياز متطلبات كل مرحلة من تلك المراحل، والفرص السياسية التي ستضيع من أمام التيار الوطني الديمقراطي، لعل أقربها زمنياً، وليس بالضرورة أهمها سياسياً، انتخابات مجلس 2010.
3. زرع بذرة الإحباط ونشر أشرعة اليأس، في صفوف هذا التيار، حيث سيؤدي بطء تقدم مشروع تأسيس التيار الوطني الديمقراطي إلى إحداث حالة إحباط شديدة متنامية في صفوفه وصفوف مناصريه من أفراد ومؤسسات. فمنذ تدشين المشروع الإصلاحي، تعددت دعوات بناء التيار وطال أمد بنائه، وبالتالي فالنتيجة المنطقية لهذا البطء والتأخير هو فقدان الثقة في إمكانية تحقيقه.
قد يبدو في هذا الطرح شيء من المبالغة، لكن على الجمعيات الثلاث، وهي تمارس دوراً لا واعياً في التأخير والبطء، أن تدرك الإحباطات التي تعاني منها الكتلة الرئيسية التي يتشكل منها هذا التيار، وعلى وجه الخصوص الفئة المتقدمة، من خارج إطار تلك الجمعيات منه.
4. فقدان زمام المبادرة لصالح القوى الأخرى من خارج التيار الوطني الديمقراطي، حتى في إطاره الواسع. ففيما تنهمك الجمعيات الثلاث في إنجاز تلك المراحل، ونحن نفترض هنا أن إنجاز هذه المهمة تتصدر سلم أولوياتها، ستعمل تلك القوى الأخرى على تكثيف نشاطاتها في الشارع السياسي البحريني لتحقيق أهداف أخرى ذات علاقة بتعزيز حضورها الجماهيري، الأمر الذي سيؤهلها – أي تلك القوى – لأن تسبق القوى الديمقراطية بمسافات طويلة تمكنها من جني ثمار تلك المسافة.
تأسيساً على كل ذلك، ندعو الجمعيات الثلاث، وانطلاقاً من مسئوليتها التاريخية في التأسيس لهذا التيار أن تقف وقفة شجاعة تراجع فيها قراراتها قبل فوات الأوان، مدركين، وبصدق، الأعباء المناطة بها، ويقل حمل المهمات الملقاة على عاتقها.
ليس القصد هنا تخطئة قرار تلك الجمعيات، ولا توجيه سهام النقد غير الموضوعي نحوها، بقدر ما هدفنا إلى لفت نظرها فليس هناك ما لا يمكن إصلاحه، طالما خلصت النوايا، واتضحت الرؤية.
قد يبدو التراجع خطوة نحو الوراء مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، كما قد تتصور الجمعيات الثلاث أن إعادة النظر في قرارها قد يفقدها ثقة جماهيرها، لكن ما نتوقعه هو خلاف ذلك تماما، فكما يقول المثل «الاعتراف بالحق فضيلة».
كما تعلمنا دروس السياسة، أنه في المنعطفات الحادة، التنظيمات الأكثر نضجا وحدها، والأكثر ثقة في نفسها دون غيرها، هي التي لا تتردد في أن تخطو خطوة نحو الوراء من أجل خطوات أخرى نحو الأمام.
والمواطن البحريني يتطلع اليوم، نحو جمعياته الثلاث، تملؤه الثقة في رجاحة عقل قياداتها، ونضج كوادرها، كي تعيد النظر من أجل تحديد أفضل الطرق وأقصرها، وأقلها كلفة، وأكثرها سلامة من أجل الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي والذي هو بناء التيار الوطني الديمقراطي الذي لم تتوقف تضحيات شعب البحرين من أجل رؤيته حقيقة ملموسة لها مكانتها المرموقة المميزة في ساحة العمل السياسي البحرينية.
(3)
في ضوء كل ما تقدم، من الطبيعي الآن أن تقفز علامة الاستفهام المتوقعة… ما العمل؟
قبل الإجابة على هذا السؤال الصعب والمعقد لابد لنا من لفت النظر إلى مجموعة من القضايا:
1. أهمية ما جاء في مقابلة رئيس التجمع القومي الديمقراطي حسن العالي، وضرورة قراءتها بشيء من التمعن والمسئولية، نظراً لما ورد فيها من أفكار جريئة تصدر عن شخصية قيادية في إحدى الجمعيات الثلاث التي يتشكل منها التيار الوطني الديمقراطي المنظم، ومن ثم فهي تصب في صميم العلاقة مع واقع التيار الوطني الديمقراطي ومستقبله. لقد شخص العالي بشكل جريء وإيجابي في آنٍ رؤيته لواقع التحالفات القائمة بين هذا التيار أولاً، ثم من بينه وبين القوى الأخرى ثانياً. ومن الطبيعي أن يسلط بعض ما جاء في تلك المقابلة الضوء على بعض التحولات الإيجابية النوعية في فكر قطاع مهم من صفوف التيار الوطني الديمقراطي الذي نتحدث عنه.
2. إن الجمعيات السياسية الثلاث، وبغض النظر عما يوجه لها من ملاحظات أو انتقادات، تبقى في نهاية المطاف هي الجهة الأكثر أهلية لأن تقود هذا التيار، وإن الاختلاف معها في الأسلوب، أو المدخل، بل وحتى الوتيرة، لا يمكن أن يقودنا أو يعطينا حق تجريدها من هذا الدور المناط بها، والذي انتزعته، شاء البعض أم رفضوا الاعتراف بذلك، بفضل تضحيات جماهيرنا وقواها السياسية. ربما نختلف معها في الأولويات، وقد تتباين وجهات نظرنا حول الآليات والمداخل لطرق تأسيس هذا التيار، لكن ذلك لا ينبغي أن يبيح للفرد أن يصادر دور المؤسسة، أو حتى يقزّمه. فيبقى دور المؤسسة، ومسئوليتها التاريخية، متجاوزاً لدور الأفراد. لكننا رغم تأكيدنا على هذا الدور، نرفض أيضاً، ومن منطلق ديمقراطي، أي شكل من أشكال التسلط أو الأبوية غير المبررة التي يمكن أن تسيطر على سلوكها أو على سلوك أي منها.
3. إن القبول الريادي للجمعيات الثلاث: «وعد والمنبر التقدمي، والتجمع القومي»، لا يعني، بأي شكل من الأشكال، تهميش، دع عنك إقصاء أو إلغاء، دور مؤسسات المجتمع المدني، أو تقزيم حضورها السياسي، فبالإضافة إلى كونها تحتضن العديد من قيادات العمل الوطني التاريخية، فهي تشكل في نهاية المطاف السياج الذي يحمي المؤسسات السياسية، والمعين الذي لا ينضب القادر على مدّها بالعناصر المؤطرة التي هي في أمسّ الحاجة لها.
4. إن ما سوف يرد أدناه لا يعدو كونه مبادرة فردية، لا أنكر، في الوقت ذاته، إسهامات بعض الأصدقاء والصديقات أيضاً في بعض ما سوف تطرحه، تحاول أن تتلمس طريقها كي تكون قادرة على الإجابة على ما نطمح من التيار الوطني الديمقراطي أن يبادر للقيام في الفترة المقبلة. من هنا لا يجب أن تتجاوز حدودها الاجتهاد الباحث عن مخرج البعيد كل البعد عن مدخل متعالٍ، أو نظرة فوقية، يدفعها في كل ذلك قناعة مطلقة بالدور الريادي/ القيادي الذي يمكن أن يضطلع به التيار الوطني الديمقراطي البحريني، فيما لو نجح في تجاوز بعض المسلمات الموروثة من مرحلة «قانون أمن الدولة» السيئ الصيت.
أخذاً بعين الاعتبار كل ما سبق طرحه، بوسعنا أن نضع الخطوط العامة، دون أن ندعي أنها برنامج متكامل، للخطوة الأولى، والتي نعتقد أنها ضرورية، على طريق التأسيس لتيار وطني ديمقراطي بحريني. إن الخطوة الأولى، التي في اعتقادنا ملحة و صحيحة على هذا الطريق، هي إقناع، والأفضل، اقتناع الجمعيات الثلاث بمسألتين أساسيتين: إن هناك كتلة سياسية تاريخية أفرزتها تجربة الحركة الوطنية البحرينية من ما يزيد على نصف قرن قادرة، وتمتلك المقومات الذاتية التي تمكنها من المشاركة الفعلية الإيجابية والبناءة، وفي المراحل المبكرة من حياة إنشاء الهيكل «التنظيمي»، أو الإطار السياسي الذي يسير هذا التنظيم، سوية مع برامجه السياسية، وخططه النضالية. أما المسألة الثانية وهي أن الوقت ليس في صالح المشروع ذاته، ولا الجمعيات نفسها، وبالتالي فمن الضرورة بمكان حث الخطى، والإسراع بإنجاز هذه المهمة.
أما الخطوة الثانية فهي أن تبادر الجمعيات الثلاث ذاتها بتشكيل لجنة تحضيرية قوامها عناصر من الجمعيات الثلاث، تشاركهم مجموعة أخرى من منظمات المجتمع المدني ذات التوجه الليبرالي، ويطعم ذلك بمجموعة ثالثة من الأفراد الذين يقعون في دائرة التصنيف التي تؤهلهم لأن يكونوا أعضاء في قافلة العمل الوطني الديمقراطي، تتولى تنفيذ المهام التالية:
1. تحديد الشكل التنظيمي الذي سيتم تحت مظلته عقد اللقاء الأول لتأسيس التيار: ورشة عمل، أو مؤتمر، أو لقاء تشاوري… إلخ
2. وضع ورقة عمل متكاملة تضم في طياتها برنامج عمل المرحلة، والشكل التنظيمي المناسب لتنفيذ ذلك البرنامج.
3. وضع الضمانات التنظيمية التي تكفل مشاركة أكبر قطاع من المنظمات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، والأفراد، ممن ينتمون لهذا التيار، وتشكل مشاركتهم إضافة نوعية لما سيخرج به اللقاء من قرارات أو توصيات، وفي الوقت ذاته، تشكل صمام أمان ذاتي داخلي، يضمن، قدر المستطاع، سير أعمال ذلك اللقاء وفق آليات ديمقراطية صحيحة.
4. الحرص على مشاركة بعض المنظمات والكفاءات الفردية السياسية الخليجية والعربية، ممن لها، بشكل أو بآخر، علاقة بالحراك السياسي البحريني، ويهمها أن يحقق التيار الوطني الديمقراطي المزيد من المكاسب في نطاق هامش الحريات المتاح، وفي ظل المنافسة السياسية الشرسة التي يناضل في إطارها.
هذه صيغة واحدة، من الطبيعي أن يكون لدى الآخرين صيغ أخرى تقترب منها أو تبتعد عنها، فليس هناك من يحق له ادعاء ملك الحقيقة والمدخل الصحيح اللذين لا يأتيهما الباطل من أمامهما أو من خلفهما.
أكثر من ذلك، ربما تجد الجمعيات الثلاث، ولأسباب هي أكثر القادرين على تقويمها، أنها غير قادرة على التراجع عما أقرته، حينها من الخطأ مقاطعة ذلك الخيار، بل تقع على عاتق الأطراف الأخرى، وحفاظاً على وحدة صف التيار، ومنعاً لأي شكل من أشكال تمزيقه، الموافقة على ذلك الخيار، وقبول دعوة الجمعيات، لا لشيء سوى أن هذا التيار هو اليوم في أمسّ الحاجة إلى مساهمة كل فرد من أفراده، ومن الجريمة أن يقودنا الاختلاف على بعض القضايا، مهما بلغت جوهريتها، إلى مقاطعة بعضنا البعض.
بقيت نقطة واحدة هنا، وهي أنه في حال وصولنا إلى هذه النقطة، فما يتطلع المواطن إليه حينها، أن تساعده الجمعيات الثلاث بحث خطاها والإسراع في إنجاز متطلبات عقد اللقاء، فليس هناك من مستفيد من أي تأخير سوى أولئك ممن تتضرر مصالحهم من بروز هذا التيار الذي تشكل انطلاقته التي نحن في انتظارها تحدياً سياسياً لهم ولآخرين غيرهم.
صحيفة الوسط 02 يونيو 2010م