لا شك أن مجموعة الأفكار والرؤى التي طرحها منتدى البحرين الاقتصادي العالمي الذي عقد هنا في العاصمة المنامة منتصف شهر مايو المنصرم، تستحق منا التوقف عندها، فقد مثلت خلاصة تجارب العديد من الدول والمؤسسات والخبرات الدولية في التعاطي مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي مازالت، وباعتراف كل المتحدثين في المنتدى، تضرب وبقوة في بنية الاقتصاد العالمي وتفرز واقعا اقتصاديا وتنمويا عالميا جديدا هو في حد ذاته تحد كبير أمام العالم بمختلف قاراته ودوله، وستتحدد نتيجة له الكثير من المتغيرات على الساحة الدولية، ومن المنتظر أن تظهر للسطح بعد انتهاء الأزمة حزمة من المتغيرات يأمل الجميع أن تكون ذات عوائد إيجابية على منطقتنا والعالم، خاصة مع قبول دولنا العربية والخليجية منها بالتحديد أن تكون على الدوام في موقع المتلقي ليس إلا! حيث تحتل دولنا العربية موقعا متراجعا على المستويين الاقتصادي والسياسي خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أن دول مجلس التعاون على سبيل المثال مازالت تمثل أكثر من 60% من احتياطي النفط العالمي و30% من الاحتياطي العالمي للغاز، وهما أكبر سلعتين سيظل يعتمد عليهما الاقتصاد العالمي ولسنوات عديدة قادمة.
والملاحظ أن مجموعة الأوراق التي قدمت في منتدى البحرين الاقتصادي العالمي لهذا العام، كانت قد تحدثت بشكل تفصلي عن كيفية النهوض مجددا بالاقتصاد العالمي، وبتقسيمات الأدوار المنتظرة لمجموعة الدول الأكثر تأثيرا في الاقتصاد العالمي ومن بينها الدول الناشئة كالهند والصين والبرازيل ودول أخرى أثبتت حضورا لافتا على خارطة الاقتصاد الدولي، في حين تراجعت بعض الاقتصادات الأخرى كالاقتصاد الياباني إلى الوراء حيث يعيش فترات انكماش غير مسبوقة، إلا أن ما يمكن ملاحظته في عدد من الأوراق التي تحدثت عن بعض الاقتصادات الخليجية ومن بينها البحرين على سبيل المثال، أنها حاولت ان تنأى بنفسها عن كل ما يدور وان تكتفي فقط بتسويق نفسها بطرق معتادة أمام اولئك الخبراء الذين باتوا يعرفون تفاصيل ما أصبح يدور في اقتصاداتنا ربما بدرجة تفوق ما هو معلن رسميا لدينا.
نتيجة لذلك لا حظنا تكرارا مملا في بعض تفاصيل ما قدمته بعض دولنا العربية وما عرضته من صور تبدو أنها زاهية لكنها حتما لا تقدم جديدا، ونحن نشهد تداخلا بل تعارضا بين ما أصبح يطرحه بعض معدو تلك السياسات لدينا في طريقة تعاطيهم مع تداعيات الأزمة العالمية وما يطرحه زملاء لهم من رؤى كثيرا ما تتعارض مع بعضها لتقدم رؤى وتصورات مشوشة لا يمكن لها أن تصمد طويلا أمام تداعيات المشهد الاقتصادي برمته، مما يفصح عن مستوى متراجع لمعايير الوضوح والشفافية التي يفترض أن تتلازم مع أقوال أولئك الذين ما فتئوا يشنفون آذاننا بمعدلات الشفافية التي أصبحت تدار بها اقتصاداتنا الوطنية!
أضف إلى ذلك ما يمكن أن تفرضه هكذا سياسات متعارضة من تعطيل لمسار التنمية وعجز عن مواكبة التطور العالمي الذي بات أكثر وضوحا وجرأة عن ذي قبل في التعاطي مع ما أفرزته الأزمة من تحديات، ونستطيع أن نلحظ ذلك في بعض المنعطفات الهامة التي دللت عليها العديد من الاقتصاديات العالمية في طريقها للخروج من جملة المصاعب التي تعترضها سواء كان ذلك بشكل جماعي كما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة أو حتى ما يحدث في دول مثل الهند والصين.
من بين مجموعة الأوراق التي قدمت رؤى أكثر تركيزا ربما كانت ورقة وزير الصناعة والنفط القطري عبدالله العطية، حول الغاز والطاقة البديلة والاستثمارات المنتظرة في هذا المجال والتي تتوافق مع توجه العالم لتحديد خيارات ربما تكون صعبة بالنسبة للكثير من الاقتصادات، في حين أوضح تولسي تانتي الرئيس التنفيذي لشركة سوزلن الهندية للطاقة جدوى الاعتماد على الطاقة المتجددة من خلال الرياح والطاقة الشمسية، حيث حددت 26 ولاية في الولايات المتحدة خيارها بالاعتماد بنسبة 80% على الطاقة المتجددة، وفي دولة ناشئة كالهند بنسبة 20%.
وفي الوقت الذي تشعبت فيه نقاشات منتدى البحرين العالمي حول مسائل من بينها الأمن والطاقة والثروة البشرية والعدالة والتنمية، أشار المسؤول الاقتصادي في البنك الدولي أوتافينو كانوتو إلى ضرورة مواجهة العالم لأزمات ثلاث لخصها في أزمة البيئة والأزمة المالية وأزمة الحكومات الضعيفة، حيث أكد أهمية الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية وتطوير مفهوم الأمن، مؤكدا ما ذهب إليه زميله مدير حلقة الاقتصاديات الناشئة مالك براون الذي ذكر أن “الاقتصاد أصبح أمنا والأمن أصبح اقتصادا”.
بقي أن نشير إلى أن حلقات المنتدى الاقتصادي لم تعر اهتماما يذكر لقضية الفساد باعتبارها معضلة مؤرقة مازالت ماثلة أمام صانعي القرار العالمي، خاصة وأن الفساد هو احد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية التي باتت تضرب العالم اليوم بدون رحمة.