في أحدى حلقات المسلسل الكارتوني الشهير The simpsons يتعرض مونتغمري ، صاحب “مفاعل سبرينجفيلد النووي ” الجشع، لحادث ويتوارى لأيام فتعلن وسائل الإعلام وفاته بكثير من التهكم والاحتقار. لاحقاً؛ يعود مونتغمري للمدينة ويسوءه الأمر فيقرر – في تصعيد مفاجئ- شراء كل الصحف والمحطات التلفزيونية في المدينة ليضمن ، لا تكبيل إساءاتها له فحسب، بل وتسخيرها لتمجيده وتلميع صورته !!
ركوع وسائل الإعلام لمونتغمري استفز الطفلة الموهوبة ” ليز سمبسون”، فقررت طبع صحيفة مدرسية تنتقد فيها هيمنة مونتغمري وتنشر أخبار المدينة بلا تزلف وتزييف. صيت صحيفتها الغّرة أزعج مونتغمري بالطبع فحاول شراءها فلم تخنع؛ فما كان منه إلا أن جردها من مطبعتها وأشترى مساعديها بالهدايا؛ فبقيت وحيدةً عاجزةً عن المواصلة بعد أن ضيق عليها مونتغمري الخناق بشكل لا يوصف..
الحلقة تجسد الصراع الكلاسيكي للسيطرة على وسائل الإعلام الحرة من قبل ذوي السطوة والمال والنفوذ ؛ وهو مشهد يُرى في دول العالم قاطبة؛ فما بالكم بالدول الأبوية الرعوية التي ألبست حُكمها القبلي لبوساً عصريا وتبنت الديمقراطية بصورة انتقائية دونما استعداد لتحمل مقتضياتها ولدفع أكلافها..
*****
لماذا وأدت صحيفة “الوقت” وأهيل عليها التراب وهي في ريعان شبابها – تسألون..
سنروي الآن “جزءاً” من الحكاية تاركين باقي الخبايا لحديث آخر..
مثلت “الوقت” أنموذجاً مزعجاً للصحف استوجبت خطورته محاربته وتصفيته إعلاميا وإعلانيا.. لم تكن خطورتها في كونه الاجرأ ؛ ولا لأنها تمددت وسرقت الأضواء على حساب مطبوعات أخرى تمول – ببذخ- لخدمة أجندات معروفة، بل كمنت خطورتها في كونها تخاطب جميع الطوائف والجماعات والأثينيات وتهز عروش المشروع الكبير لتشطير المجتمع واللعب على تناقضاته وانقساماته واستثمارها في الهيمنة على الناس وإلهاءهم – بصراعاتهم- عن قضاياهم وتحدياتهم المصيرية ..
ببساطة ضاقت العين ” بالوقت”. لذا أغلقت الحكومة وهيئاتها وشركاتها وحلفائها ، وهم أكبر وأهم المعلنين في السوق، حنفية الإعلانات عن الصحيفة.. وحتى عندما كانوا يتفضلون عليها بإعلانات كانوا يدفعون نظيرها قطعاً زهيداً مما يُدفع لقريناتها.. وكانت النتيجة أن الصحيفة، رغم تفوقها البيّن في التوزيع والاشتراكات، غرقت في أزمة مديونية زادتها الضغوط والإشاعات ضراوة..
لماذا لم تنقذ الحكومة والقيادة ” الوقت”؟
كثيرون تعجبوا ذلك سيما وأن الإغلاق تزامن ويوم الصحافة العالمي.. والحقيقة أن “الوقت” كانت بحاجة لأقل من مليون ونصف المليون لتستمر ؛ وهو مبلغ زهيد إن علمتم أن ما أنفقته وزارة الإعلام على حفل العيد الوطني الباهت –فقط- تجاوز الـ5 مليون دينار لحفل استغرق 3 ساعات..!!
جواب السؤال أعلاه ينسحب على تبرير الكثير من المواقف.. فبعض من بالحاشية يروجون لأصحاب القرار بأننا في حالة حرب. .والحرب تقتضي الاصطفاف في معسكرات أحدهما معي والآخر – بالضرورة – ضدي. وقد صور هؤلاء ” الوقت” على أنها خصم يجب أن يُكسر أو يترك ليموت ميتةً طبيعية.. وبالمناسبة جمعيات وأطراف عدة كانت قادرةً على انتشال “الوقت” ولكنها تعاملت معها ” كقط دهسته المركبات في الشارع العام”..! مروا على جثمانها ومطوا الشفاه وتحسروا لثوانً ماضيين في طريقهم !! فالصحيفة –وإن كانت تخدمهم- فهي تخدم أندادهم أيضاً.. بالمفاد وقعت “الوقت” في فخ من رقصت على السلالم؛ فلم يرضى عنها من هم فوق.. ولم يتلقفها من هم تحت أيضا..
نسيت بالمناسبة أن أخبركم كيف انتهت تجربة “ليز سيمبسون”..
حسناً؛ نامت” ليز ” متوسدةً دموعها فانتفض والدها “هومر” لمساعدتها مستنهضاً الحي الذي كان في شوق لصحيفتها فعادت للساحة بقوة ما دفع مونتغمري ، في نهاية المطاف، للاعتراف بأن السيطرة على الإعلام الحر ليست ممكنه؛ فتخلى عن ملكيته للمحطات والصحف وعادت الأمور لنصابها..
هل ابشر بذلك بعودة “الوقت” ؟
لا للأسف ؛ ولكني أقول أن يوما ما سيأتي وستكتشف فيه السلطة أن السيطرة على الكلمة الحرة واختراق الضمائر لن يجدي في وجود التكنولوجيا وتلون طيف الاتصال.. لقد ذهبت “الوقت” نعم.. ولكن تجربتها ستخلد في تاريخ الصحافة البحرينية وقلوب الشعب وستبقى قبسا للأجيال القادمة.. والبحرين التي أنجبت ” الوقت” لن تعقم عن ولادة سواها حتماً..
حرر في 23-مايو -2010
3 أسابيع بعد اغتيال الوقت