ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة على ما يبدو، حين يسمع الجمهور تلك الحقائق المقلقة من قبل المختصين حول دمار البيئة البحرية وردم السواحل والتجريف البحري، ففي الحلقة الحوارية التي نظمها المنبر الديمقراطي التقدمي مطلع الأسبوع الجاري تحت عنوان” ردم الشواطيء كارثة بيئية مدمرة” تم عرض الكثير من الأرقام والاحصائيات واستعراض الكثير من المعلومات التي لا نستطيع إلا أن نسميها صادمة ومؤرقة لكل من له ضمير حيال بحرنا وبيئتنا البحرية وشواطئنا ومخزوننا السمكي الذي خلص المتحدثون في تلك الحلقة الحوارية إلى أنه أصبح صفرا!
شاركت شخصيا في تلك الحلقة ولم المس غير مواطن الوجع والألم الذي اعتصرنا مع المتحدثين من ذوي الاختصاص من خبراء ونواب وبحارة وسياسيين ومهتمين، وكأن لسان حالهم جميعا كان يقول.. لماذا أوصلونا إلى كل هذا والى من نشتكي حالنا؟! وهل تستحق البحرين وبحرها الذي كان غنيا يوما وبيئتها البحرية الجميلة كل هذا التدمير والاعتداء الذي لم يوفر شيئا يذكر من رصيد ثروتنا السمكية، ليعلن الرئيس الفخري لجمعية الصيادين الأخ وحيد الدوسري أن الأسماك المعروضة في أسواقنا هي من مصائد دول الجوار ويرجع الفضل في تواجدها في أسواقنا إلى أولئك البحارة الذين يتعرضون اليوم للرصاص والبهدلة والمحاكمات في سبيل بحثهم عن مصدر رزقهم الحلال، فهم من يمدون أسواقنا ببعض ما تجود به تلك السفن الهاربة دوما والمطاردة على الدوام، لملء جزء يسير من قاع سلتنا الغذائية التي أفرغتها نوازع الجشع والأنانية والإستثمارات غير المدروسة، التي أتت على ما تبقى لنا من بحر وبيئة بحرية، وفي هذا أصاب النائب ناصر الفضالة احد مقدمي الأوراق حين قال أن بحارة البحرين لم يكونوا يوما قراصنة، فيما أشار رئيس نقابة الصيادين حسين المغني إلى أن الجميع قد تشاركوا في تلك الهجمة الشرسة على الحياة الطبيعة للأسماك، ولم يراعوا مساكنها أو مراعيها، فقد تعدى الجميع على الجميع، فتعدى صيادو الأسماك على بعضهم البعض، وتعدى صيادوا الربيان على صيادوا الأسماك وتعدى بعضهم على مصائد بعض دول الجوار، وصيادو الشباك على أصحاب القراقير وهؤلاء تعدو على أصحاب الحضور، في مشهد لا يمكنه إلا أن يوحي بما وصلت إليه حال ثروتنا البحرية من تردي وخسران، نتيجة كل تلك السياسات التي لا زالت قائمة حتى الآن بكل أسف دون أن نلحظ أي تحرك مسئول من قبل الدولة للتعاطي مع ثروتنا البحرية وبحارنا المدمرة بشيء من المسئولية، وذلك ما يضع خطط التنمية برمتها على المحك طالما افتقدت الرؤية والوضوح، وطالما لم يراعي معها أي فهم حقيقي للتنمية الإستراتيجية وأهمية الحفاظ على الثروات وعلى سلة غذاء إنسان هذه الأرض.
كل مرة أحضر فيها ندوة أو حلقة حوارية من هذا النوع أصاب بدوار وحنق أعجز معه عن فهم مغزى تلك القسوة وعدم المبالاة بحق بيئتنا البحرية ، فكيف يستوي أمر المسئولين لدينا وهم يتقاذفون المسئولية فيما بينهم في الوقت الذي تُصدر الجهات الرسمية تراخيص الدفان الجائر دون توقف، في مخالفات صريحة ومتكررة للقوانين السارية وللدستور حين أكدت جميعها على أهمية حماية الثروات البرية والبحرية باعتبارها ملكا عاما لا يجوز التصرف فيه خارج الأطر القانونية المتبعة.. فهل ذلك ما يحصل فعلا؟! أجيبونا…
أقول لا خير في تنمية أو مدن رفاه أو منتجعات أسطورية سيسكنها الأجانب وأصحاب الثروات إذا كانت على حساب بحرنا وبيئتنا وسواحلنا وثروتنا السمكية، وكما ذُكر في تلك الحلقة الحوارية المتميزة المشار إليها هنا، من أن تلك المدن الحديثة والمرفهة هي عبارة عن مقابر ومدافن لأحيائنا البحرية وبيئتنا المدمرة وهي مسئولية علينا أن نستعد جيدا لتحملها أمام الأجيال القادمة بعد أن فرطنا فيها كما فرطنا بالأمس في مصادر مياهنا الجوفية ومزارعنا ومساحاتنا الخضراء وخلجاننا وجزرنا وأراضينا ومهننا وحرفنا التقليدية!
لن نقرع الجرس ولن نلفت نظر المسئولين فليست هي المرة الأولى التي نتحدث فيها ويتحدث معنا الآخرون حول ما حصل ويحصل لبحارنا وثرواتنا من تدمير منهجي لحساب مصالح خاصة باتت تتلاعب بمستقبل أرضنا وبحرنا دون أدنى مسئولية، يكفينا أن نقول أن من بين أكثر من 500 نوع من الأسماك أصبح لدينا فقط 40 نوعاً، وان هناك أكثر من ثلاثمائة طراد لتهريب الروبيان الشحيح أصلا إلى دول الجوار خلال فترات التوقف المعلنة، وأنه أصبح لدينا 1700 رخصة صيد و 1080 مالك سفينة صيد من بينهم فقط 400 من الصيادين المحترفين! وهناك أكثر من 600 رخصة لدى أصحابها مهن مزدوجة.
لقد عجز بحارتنا وهم يقرعون أجراس الخطر مرارا دون أذن تسمع أو عين ترى، حتى داهمنا عنوان انقراض ثروتنا السمكية التي أصبحت صفرا، أنها مسئولية كبرى يجب على الدولة والحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية تحديدا أن لا ينتظروا تشريعا يأتي بشأنها أو مسائلة أو حتى قرار، بل أن يبادروا سريعا ومن منطلق المسئولية التاريخية والوطنية لحماية ما تبقى من بحرنا لإصلاح ما تم تدميره طيلة السنوات العشر الأخيرة…إنه نداء استغاثة فهل تسمعوننا؟!