المنشور

جياع العالم.. والمقتدرون المقتّرون (1-2)

بحسب تقديرات المدير الاقليمي لبرنامج الاغذية العالمي في منطقة الشرق الاوسط ووسط آسيا واوروبا الشرقية التابع للأمم المتحدة الدالي بلقاسمي (الحياة 22/8/2009) فإن عدد الجياع في العالم سيقفز قريبا الى اكثر من مليار انسان.. نكرر “مليار انسان جائع”.. وهذا يعني طبقا لبلقاسم نفسه ان واحدا من كل سبعة اشخاص ينضم يوميا الى صفوف الجياع، او ان جاز لنا القول “نادي الجياع” يكفي ان نعرف لتأكيد دقة الرقم ان العام الماضي وحده 2009 سجل انضمام 100 مليون عضو جديد الى هذا النادي العتيد الذي لم يعرف هذا التضخم في عدد اعضائه طوال تاريخ البشرية قياسا بسكان العالم خلال كل مرحلة من مراحلها.
ولقد كان للأزمة المالية والاقتصادية الرأسمالية العالمية الراهنة دور مباشر في مضاعفة اعداد الفقراء والجياع ممن قذفتهم الازمة على ارصفة الفاقة، ولاسيما بعد ان عمد الرأسماليون المتضررون “ربحيا” من الازمة، اي المتضررون من تدني نسبة الارباح وليس افلاس مؤسساتهم بالضرورة، الى رفع اسعار السلع الغذائية الاساسية بمعدلات صاروخية مخيفة لم يسبق لها مثيل تاريخيا من حيث النسب مقارنة بأسعارها الاصلية حتى اصبح معها تلك السلع بعيدة عن متناول ملايين الفقراء والمعدمين.
ولأن الازمة تتأثر بها في المقام الاول بلدان الشعوب الافقر في العالم ولاسيما في ضوء ارتباطات اقتصاداتها بالاقتصاد الرأسمالي العالمي فمن الطبيعي ان تكون الشرائح والطبقات الدنيا في هذه البلدان الاكثر تضررا من الازمة ولاسيما اذا ما اخذنا بعين الاعتبار مع اضطرار ذويهم في بلدان المهجر الغربية المتقدمة الى خفض تحويلاتهم المالية الى بلدانهم تحت تأثير تدني دخولهم او فقدان وظائفهم.
ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي العام الماضي فمن المتوقع هبوط الاستثمارات الرأسمالية في البلدان النامية بنسبة 32%، وهذا يعني عمليا قذف 53 مليون انسان جديد في هذه البلدان الى مستنقع الفقر.
اكثر من ذلك وتبعا للمصدر الآنف الذكر نفسه فإن الدول الرأسمالية التي تتحمل مسئولية اخلاقية دولية وانسانية لما تسببته ازمتها من انعكاسات سلبية مباشرة مدمرة على السواد الاعظم من البشرية لا يخفي صندوق النقد الدولي توقعه بأن تعمد الدول الصناعية الرأسمالية الغربية الكبرى الى تخصيص مساعداتها الى افقر 71 بلدا وهي ما تشكل اكثر من ثلث بلدان العالم بنحو 25%.
يطالب الدالي بلقاسمي من موقعه التنفيذي الدولي المسئول كمدير اقليمي لبرنامج الاغذية العالمي بأن يقدم الاغنياء يد العون للفقراء ليس على سبيل الاحسان، بل ما للبطالة والجوع في تلك البلدان النامية من تأثيرات في الانتعاش العالمي. ولو شاء بلقاسمي معنا لقلنا ان البطالة والفقر والجوع تشكل معا اخطر قنبلة موقوتة راهنة تهدد السلام الاجتماعي، ان على الصعيد الداخلي وان على الصعيد العالمي، في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة من تاريخ البشرية.
وفي الوقت الذي يحتاج برنامج الغذاء العالمي الى 7،6 مليارات دولار لتوفير الغذاء لنحو 108 ملايين جائع في الـ 74 بلدا الاكثر فقرا فإنه لا يتوقع حصوله على ما يزيد على 7،3 مليار دولار فقط. يحدث ذلك في الوقت الذي خصصت فيه تريليونات الدولارات لانقاذ الدول الرأسمالية من الازمة المالية. يختتم بلقاسمي مقاله بهذا النداء المفعم بالدلالات الطبقية العالمية: “دعونا نمنح البشرية الاهتمام نفسه الذي نمنحه للبنوك وقطاعات الاعمال وصناع السيارات.. او حتى القليل من الاهتمام”.
ولعل ما لا يقل اهمية عن هذا النداء العالمي الذي وجهه المدير الاقليمي لبرنامج الغذاء العالمي ان يوجه نداء بالأهمية نفسها على الصعيد المحلي لكل دولة من الدول الاكثر تأثرا بالازمة بما فيها دولنا الخليجية، حيث لايزال مليارديريتها ومليونيريتها محجمين للأسف عن الاضطلاع بواجباتهم ومسئولياتهم الوطنية والاخلاقية والدينية تجاه جياع وفقراء اوطانهم، لعل النداءات تنفع في ظل شريعة الاستغلال العالمي.
 
صحيفة اخبار الخليج
25 مايو 2010