تنمية القوى البشرية ورفع مستوى الاداء والانتاجية يتطلب نظما ادارية حديثة تعمل على تحسين اوضاع العاملين وتهتم بالتدريب والتأهيل لضمان مخرجات تتناسب واحتياجات سوق العمل، وفضلاً عن هذا تهتم بتفعيل الرقابة الادارية.
حقيقةً، مناسبة هذه المقدمة هناك اصداء واسعة من التعديلات التي استحدثتها الحكومة على اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية التي تمنح موظفي الحكومة علاوات وبدلات جديدة ومكافآت تشجيعية اهمها مكافأة نهاية الخدمة للذين امضوا في الخدمة خمس سنوات على الاقل.
وبصريح العبارة، بالرغم من اهمية هذه التعديلات لدى العاملين في هذا القطاع إلا ان المطلوب ايضاً ان تستحدث تعديلات اخرى تحرك سلم الاجور وخاصة اجور الدرجات الاولى التي بالفعل لا تتناسب في كل الاحوال مع غلاء الاسعار واحتياجات الحياة المعيشية المكلفة.
وباختصار، ان تعديل الاجور والعلاوة تتطلب اعادة النظر بعد حين في النصوص القانونية واللاوائح التنفيذية في القطاع الحكومي الذي تجاوز عدد العاملين فيه اكثر من 40 ألف موظف.
على اية حال، ان مبادرة الحكومة المتمثلة في تلك التعديلات محط تقدير ولاشك كلما كانت هذه التعديلات تشمل اغلب الدرجات المتضررة كلما كانت نتائجها وانعكاساتها مرضية بين العاملين، ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه هنا هو: ماذا عن القطاع الخاص الذي يضم اكثر من 180 ألف مستخدم؟
من المعروف ان المؤسسات الكبيرة في هذا القطاع لها اسهاماتها الكثيرة نحو استقرار الاوضاع العمالية من خلال توفير مميزات حاضة كالاجور المناسبة والعلاوات والتدريب والى آخره، ومع ذلك لا ننفي جهود وزارة العمل والاتحاد العمالي والنقابات وغرفة التجارة التي دفعت في اتجاه هذا الاستقرار، وبالرغم من ذلك فان هذا القطاع مازال متردداً وأهم الامثلة على ذلك قبل عامين عندما اقدمت الحكومة على زيادة الاجور بواقع 10 – 15 في المئة كانت ردة الفعل لهذه القطاع سلبية اي لم يحذو حذو الحكومة في هذا الشأن عدا البعض من مؤسساته الكبيرة!!
بالمختصر المفيد، لا يمكن ان نضع مؤسسات القطاع الخاص في سلة واحدة بالطبع فهناك من يعمل وفق نظم ادارية حديثة مقاييسها لتحسين الاداء والانتاجية والاهتمام بالعنصر البشرى وبحرنة الوظائف والتدريب والتأهيل، وهناك من دأب على تجاهل هذه المقاييس!
كما ومن المؤسف جداً ان تجد من المؤسسات الخاصة الكبيرة ان تتجاهل التشريعات العمالية، واوضح برهان هنا تلك التشريعات التي تشهدها بعض المؤسسات المالية!!
نفهم تماماً ما يقوله البعض ان نظام الاقتصاد الحر يقتضي عدم تدخل الحكومة في شؤون القطاع الخاص وبالتالي لا تستطيع الحكومة ان تفرض على هذا القطاع لوائح للاجور والعلاوات.
والرد على مثل هذا القول: نحن لا ننفي ذلك ولكن في الوقت نفسه يجب ان لا ننسى ان «كنترول» الحكومة من خلال تشريعاتها الاقتصادية والعمالية يجنبنا في الكثير من الاحوال حالة الفوضى والانفلات، وبالتالي ما تتطلبه الشراكة الحقيقية هو وجود ضوابط خشية من التلاعب بحقوق العاملين وما ينطبق على وضع سياسة واضحة تؤكد اهمية الحد الادنى للاجور ينطبق ايضاً على الخصخصة التي بالرغم من جدواها فان غياب «الكنترول» الحكومي ربما تصبح سبباً مباشراً في التسريحات العمالية تحت غطاء ان الاقتصاد الحر يقتضي عدم تدخل الحكومة في شؤون القطاع الخاص!!
علي اية حال، ان التعديلات التي اجرتها الحكومة على العلاوات والبدلات والمكافآت وإن كانت محدودة فإنها تكشف عن اجراءات ادارية سليمة نأمل ان تستمر وان تولي اهتمامها بالاجور، كما نأمل من القطاع الخاص ان يتفاعل بما يعزز تحسين الاجور والعلاوات للعاملين في هذا القطاع؛ لان العاملين في القطاعين الحكومي والخاص عرضة للضغوط الناتجة عن الغلاء والاوضاع المعيشية الصعب ذاتها.
صحيفة الايام
22 مايو 2010