ليس من اللائق وحتى المقبول أن يدافع أي صحافي في صحيفة ما عن صحيفة أخرى منافسة ولكن من الممكن أن يكون ذلك في ظروف معينة واجب محتم يفرضه الواقع، وخصوصا مع احتفالنا أمس بـ «اليوم العالمي لحرية الصحافة».
وليس ما سأقوله تشفياً أو انتقاداً وإنما هو وجع يعتصر القلب، أن تغيب صحيفة اختطت خطاً آخر وغامرت في أن يكون لها صوت مختلف في ظل أوضاع اقتسم فيها الوطن والناس بين فئتين وأرادت أن تكون هي الفئة الثالثة التي تكون فيها جسراً يربط الجميع.
أن تتوقف جريدة وطنية عن الصدور في اليوم العالمي لحرية الصحافة، فإن ذلك يعد مؤشراً سلبياً وخسارة وتراجعاً عن حرية الرأي في البحرين يتحملها المجتمع البحريني بشكل عام، إذ يبدو أن ما طرحه مجلس إدارة الصحيفة في بيانه أمس صحيحاً من أن «لا أحد في هذا البلد أو الوطن يريد أن تستمر جريدة وطنية مستقلة مهنية تحاول أن تمسك بين يديها الغضتين جمر الوطن الملتهب، بينما البعض ينفض من بين يديه روح الوطن والشعب الواحد».
فبالرغم من توجهها المختلف ذي الطابع الليبرالي، إلا أنها وقفت ومنذ صدورها بجانب توجهات صحيفتنا «الوسط» ومثلت حائطاً مسانداً لدعم الحريات وتوسيع مساحة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في كل ما تطرحه من آراء أو تغطيات إخبارية ولذلك كانت هدفاً يمكن البدء به لتطويع الخطاب الإعلامي في البحرين.
صحيفة «الوقت» توقفت قبل أسابيع ليوم واحد نتيجة إضراب موظفيها عن العمل لعدم مقدرة الإدارة دفع رواتبهم لمدة تزيد عن الشهرين، ويبدو أن الأزمة المالية التي مرت بها لم تنتهِ لتعلن في عددها ليوم أمس أنها توقفت عن الصدور بعد تراجع مردوداتها في ظل المنافسة الشديدة في السوق الإعلاني وتزايد عداد الصحف، مع النظر إلى ما تحصل عليه بعض الصحف من دعم يقدم من «تحت الطاولة».
عندما توقفت الصحيفة قبل أسابيع، آثر العاملون في الصحيفة العودة للعمل دون أي ضمانات بصرف الرواتب المتأخرة حفاظاً على استمرارية صحيفتهم، لكن هذه المرة يبدو أن الموضوع اختلف.
من يعمل في الوسط الإعلامي، يعرف أن الشركات الكبرى والتجار هم من يسيطر على سوق الإعلان الذي لا يمكن لأية صحيفة أن تعيش أو أن تتنفس دونه. كان من مصلحة هذه الشركات أن تستمر «الوقت» في الصدور كونها تمثل التيار المنفتح الذي يتلامس مع توجهاتها ولذلك كان من المفترض أن تقدم مثل هذه الشركات الدعم لهذه الصحيفة من خلال الإعلان فيها.
«التجار» لدينا بعد أن كانوا يمتلكون دوراً مؤثراً في الحياة السياسية كونهم قوة مؤثرة في المجتمع تدفع إلى التقدم والتطور تخلوا عن هذا الدور واكتفوا بتحقيق مصالحهم من خلال العلاقات الخاصة بصناع القرار بعيداً عن تطلعات المجتمع والتقدم العلمي والحضاري بخلاف ما هو حاصل في المجتمعات المتقدمة.
لقد عرف التجار الآن نتيجة ابتعادهم عن آلية صنع القرار السياسي وبدأوا يتحدثون عن دعم أصوات مستقلة للدخول في المعترك الانتخابي المقبل، فهل سيتنبهون إلى أهمية أن يكون لهم صوت إعلامي؟ وهل سيندمون لاحقاً لموت «الوقت».
الوسط الثلاثاء 04 مايو 2010م