لا يمكن إلا النظر بمنتهى القلق والريبة في أمر الحرائق التي جرت في الفترة الأخيرة في عددٍ من مدارس وزارة التربية والتعليم، ومبدئياً فان العنف على أنواعه مدان، خاصة حين يصبح وسيلة متبعة يومياً، والخلط بين المطالبة بالحقوق وبين العنف، في ظروفنا المحددة الراهنة في البحرين، أمر ملتبس يجب أن يصار إلى توضيحه، فنبذ العنف لا يعني نفي المطالبة بالحقوق، والعكس صحيح أيضاً فالمطالبة بالحقوق وتحسين الأوضاع لا يعني تحبيذ العنف أو تبريره أو التماس الأعذار له.
ومن حيث الجوهر لا فرق بين حرق عمود إنارة وتحطيم مصابيح الإضاءة في الشوارع وبين الحرائق في المدارس، فكل ما من شأنه الإضرار بمنافع الناس والممتلكات العامة والخاصة أمر مدان، ولكننا لا نتسرع هنا، لأن التحقيق المستقل والمحايد والشفاف وحده هو الذي يكشف عن دوافع الحرق في المدارس، والتي أعلنت وزارة الداخلية أن بواعثها في مدرسة الحد الإعدادية الثانوية للبنات على الأقل تعود إلى خلاف بين المتهمين وبين إحدى العاملات في الجهاز الإداري في المدرسة المذكورة، وهو أمر يبعد الاحتمالات الأخرى التي قد ترد إلى الأذهان.
ولكن الأمر كان يمكن أن يكون كذلك، لو أن حوادث الحرق انحصرت في هذه المدرسة وحدها، أما وأنها تكررت في مدارس أخرى وفي مناطق أخرى من البلاد، فإننا إزاء مظاهر جديدة في ممارسة العنف الذي لم يعد يقيم حرمة لمؤسسات تعليمية معنية بإعداد أبناء وبنات المستقبل وتعليمهم، وفي كلمات يعني المساس بمرافق الخدمة التي تقدمها الدولة، وهذا واجبها بطبيعة الحال، لأبنائها وبناتها، مما يطرح على بساط النقاش أمر الإجابة على السؤال الذي طرحه زملاء وزميلات آخرون في صحفنا المحلية، ومثلهم طرحته فعاليات سياسية واجتماعية ودينية وهو السؤال القائل: من المستفيد من هذا التخريب؟
مرةً أخرى، من المهم التنبيه هنا إلى مخاطر التجيير الطائفي والمذهبي لمثل هذه الظاهرة، وبالتالي إطلاق حملات تحشيد من هنا أو من هناك في اتجاه إضفاء طابع من هذا القبيل عليها وهو أمر يمكن تلمسه من خلال ردود الفعل والتعليقات في المنتديات الاليكترونية وفي التعليقات الواردة على مقالات كتاب الرأي في الصحف المحلية.
نأمل صادقين أن تكون هذه الأعمال غير المسؤولة والمدانة آتية من شباب طائش، وبالتالي يجب التعامل معها في هذا الإطار، ويترك للجهات المعنية معالجة الأمر بما تمتلكه من إمكانيات، شريطة إعمال مبادئ الشفافية والصراحة والتقيد بأحكام القانون في مثل هذه المعالجة، وأن تضطلع الفعاليات المختلفة ذات التأثير في الرأي العام بدورها في التوعية بمغبات ومخاطر ما يجري.
أما إذا اتضح أن الأمر خلاف ذلك، على غير ما نتمنى، فان اقتراب كرة النار من المرافق التعليمية والتربوية يعني أننا بتنا بصدد توسيع متعمد لنطاق العنف في البلد، يجب أن يعرف من يقف وراءه كائناً من كان، ونحن هنا لا نتهم جهة بعينها، ولكنا نقول إن لذلك من الآثار الخطيرة الشيء الكثير الذي يتعدى حدود هز الثقة في مناخ الطمأنينة العام، ليصل مشارف غير محمودة العواقب.