المنشور

من وحي اعتصام المصرفيين الأخير!

في الوقت الذي نحيي فيه جهود نقاباتنا العمالية من خلال الجهود الفردية والجماعية التي تقوم بها قياداتها المخلصة، يمكن القول ان تلك الجهود رغم المكابدة والعناء وعدم الاكتراث يراد لها أن تكون معزولة عن محيطها العمالي بكل أسف، ليس لأمر يشوب طرائق عمل تلك النقابات وهي المؤسسات المدافعة بصلابة على الدوام عن القضايا العمالية، وإنما لخلل يبدو انه قد أضحى متأصلا في مضامين الوعي لدى شرائح لاشك أنها أصبحت واسعة من مجتمعنا البحريني حيال مختلف قضايا الشأن العام، وليس الشأن العمالي سوى احد ابرز وجوهه تلك.
مؤخرا استجابت قيادات الحركة العمالية وعلى رأسها الاتحاد العام لعمال البحرين وبعض النقابات لدعوة وجهتها نقابة المصرفيين البحرينية لإقامة اعتصام عمالي كان عنوانه الأبرز رفض التسريحات العمالية في القطاع المصرفي، واعلم جيدا أن نقابة المصرفيين ممثلة في رئيسها النقابي خليل زينل وبقية أعضاء مجلس إدارته كانوا عند مسؤولياتهم بدعوة مختلف القطاعات العمالية للتضامن مع موظفي وموظفات المصارف والبنوك المحلية، إلا أن الأمر الذي كثيرا ما يتكرر في معظم فعاليات بعض النقابات ومن بينها نقابة المصرفيين هو العزوف شبه التام من قبل من يعنيهم الأمر من الموظفين سواء المسرحين منهم أو ممن يتهددهم قرار التسريح مستقبلا! كما أن إدارات بعض الشركات والبنوك أضحت وكما هو واضح من تصرفاتها تجاه النقابات والنقابيين، أنها لا تطيق مجرد ذكر اسم نقابة! فها هو القطاع المالي والمصرفي الذي يسهم اليوم بأكثر من 28% في الناتج المحلي لمملكة البحرين، تبقى قياداته تعيش في عالمها الآخر بعيدة كل البعد عن مجرد القبول بفكرة أن تقوم النقابات بالدفاع عن مصالح شغيلة وموظفي هذا القطاع الحيوي، على الرغم مما أتاحه عهد الإصلاح من حريات نقابية نطمح لترسيخها ومراكمة مكتسباتها! ، وعلى الرغم من ذلك يبقى غير مبرر بالمرة عزوف تلك الفئات المستهدفة من موظفي وموظفات المصارف عن مجرد التضامن فيما بينهم للدفاع عن مصالحهم، حيث بقي الجزء الأعظم من تلك الشريحة ولفترات طويلة بعيدا عن مجرد التفكير في أي حركة مطلبية، بالرغم من أن تسريحات البنوك والصارف هي الأشهر في سلسلة التسريحات التي عادة ما تحدث إبان الأزمات المالية والاقتصادية نتيجة لطبيعة هذا القطاع وحساسيته تجاه المتغيرات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
في الاعتصام الأخير شاهدنا أعدادا غفيرة من عمال شركة المونيوم البحرين (البا) وزملاء لهم في نقابات التأمين وطيران الخليج والكهرباء والماء وآخرين يلتئمون في اعتصام سلمي منظم، وهو ذات الاعتصام الذي شهد وفاة المناضل النقابي عبدالجليل الحوري، النقابي المخضرم الذي أسهم بفاعلية في اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين، وشهدت الساحة النقابية الكثير من صولاته إلى جانب رفاقه من القادة النقابيين، ممن يفترض أنهم قد تقاعدوا منذ زمن، لكنهم مازالوا مصرين على حمل مشعل المطالب العمالية، على الرغم من أن المسرحين من موظفي البنوك أنفسهم كانوا آخر من يعنيه الحدث، فلم نجد لهم وجودا يذكر في الاعتصام الذي رفعت فيه مطالبهم التي كانوا عنها بعيدين!
أمر محزن أن يغيب أصحاب القضية عن قضيتهم، وهم المعرضون على الدوام لموجات الفصل التعسفي، ومحزن أيضا أن يبقوا بعيدين عن الهم العمالي المطلبي الذي تضطلع به نقابتهم بكل مثابرة ومسؤولية، وكأن سمة التواكل باتت سلوكا متبعا استشرت آثاره لتطال الجميع.
باعتقادي ان المهمة ليست مستحيلة في استعادة تلك الشريحة الواسعة من العمال والموظفين وفي مختلف القطاعات لثقتهم في قدرة الجسد العمالي برمته على أن يكون مدافعا عن قضاياهم العادلة، ولكنها بكل تأكيد مهمة تحتاج لجهود استثنائية من حركتنا العمالية واتحاد عمال البحرين على وجه التحديد، لإعادة النظر والتفكير في كيفية إعادة بناء حركة عمالية حقيقة قوية وغير منقسمة وجاذبة لمجاميع أوسع من القطاعات العمالية المختلفة، بحيث تكون قادرة على الاستفادة مما يوفره المناخ الإصلاحي من أجواء حرة نسبيا أمام العمل النقابي، والذي لاشك انه أعطى للحركة النقابية زخما وقوة دفع يجب أن يستفاد منها في تأطير حركة عمالية تضطلع بمهماتها في الدفاع عن القضايا العمالية والإسهام بشكل أكبر في مسيرة التنمية، حتى تكون في مقدمة الصفوف من اجل بناء نظام ديمقراطي حقيقي، لاشك انه سيظل قاصرا طالما ارتضت حركتنا العمالية أن تكون بعيدة عنه أو ارتضت أن تستطيب العيش متمترسة في مواقعها المتباعدة المتنافرة كما يحصل الآن.
 
صحيفة الايام
9 مايو 2010