منذ سنوات قال الباحث الاقتصادي محمد الصياد في ندوة أقامها في المنبر التقدمي أن زبائن مجمع رامز وسوق واقف، هم أضعاف زبائن مجمع السيف وسواه من المجمعات الكبيرة والحديثة في البحرين .
جاء ذلك في سياق حديث الصياد عن تناقص القدرات الشرائية للغالبية الساحقة من البحرينيين أمام ارتفاع الأسعار وثبات الأجور ونسب التضخم العالية، خاصة أمام ارتباط الدينار البحريني بالدولار الأمريكي، مما يجعل من الغلاء هو الآخر بضاعة مستوردة .
جرى ذلك في إطار عرض ما وصفه الباحث : «تحولات الطبقة الوسطى تحت تأثير التحولات الاقتصادية في البحرين « ، رغم أن من توصف بالطبقة الوسطى هي اقرب إلى الشرائح المختلفة، والمتفاوتة في مستويات الدخل، والتي يتصف وضعها الاجتماعي والاقتصادي بالتذبذب والسيولة، مما يجعلها حينا في حالة صعود وحينا آخر في حالة تدهور تبعا لمسار الحراك الاقتصادي في المجتمع، لتصبح بعيدة عن مفهوم الطبقة بالمعنى الذي تحدثت عنه المرجعيات العلمية الكلاسيكية .
ما تعانيه الشرائح الوسطى في المجتمع البحريني حاليا هو أحد المظاهر التي يمكن أن يستدل بها على صواب هذه الفكرة، والتي تعني في إيجاز أو في تعبيرات أكثر مباشرة اتساع القاعدة الاجتماعية الأقرب إلى الفقر منها الحال المتوسط . وهذا يعني ارتباك السياسات الاقتصادية المتبعة في البلد عن استثمار الطفرة الثالثة في عائدات النفط في العقود الأخيرة، وهي طفرة غير مسبوقة في مداها ومستوياتها، في تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، بحيث أن الفئات الفقيرة تزداد فقرا، فيما تنضم إليها أو تقترب منها شرائح كانت حتى حين قريب تعد في قوام الشرائح الوسطى .
يعطي محمد الصياد مثلا على ذلك تلك العودة مجددا إلى ما كنا نعرفه بالبيت العود، أو في تعبيرات علم الاجتماع «العائلة الممتدة «، حيث يضم بيت واحد الأبوين، وأحيانا حتى الجدين، ومجموعة من الأحفاد المتزوجين مع عائلاتهم، بعد أن شهدنا خلال العقود الماضية ميلا واسعا في اتجاه «العائلة النووية « ، بفعل تحسن مداخيل شرائح مهمة استطاعت، بفضل مقدرتها على سداد قروض الإسكان والبنوك وأرباحها، أن تبتاع قطعة أرض وتبني عليها سكنا مستقلا .
وقد مثلت هذه الظاهرة تحولاً اجتماعياً مهما ً ترتبت عليه أشكال حديثة من الوعي ومن نمط المعيشة وشكل الاستهلاك وطرق تدبر الحياة، فإذا بنا نعود مجددا تحت ضغط السياسات الاقتصادية الخاطئة إلى حال بات فيه الأبناء يكبرون وينهون دراستهم ويدخلون سوق العمل، أو يظلون عاطلين، ويتزوجون وهم غير قادرين عن الاستقلال عن أهاليهم في سكن مستقل، حيث يتدبرون أمورهم ببناء غرف أو شقق صغيرة ملحقة ببيوت الأهالي .
ليس هذا سوى مظهر من مظاهر تحولات اجتماعية باعثة على القلق، يفترض أنها تشكل حافزاً لصانعي السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد على التبصر في مسار ومآل هذه السياسات.