إشكالات الفكر العربي المعاصر محاضرة ألقاها الدكتور محمد جابر الأنصاري بجامعة البحرين، والإشكالات التي تطرق إليها الأنصاري هي في الواقع إشكالات شغلت منذ عقود بال الكثير من المفكرين، البعض منهم ناقش هذه الإشكاليات مستخدمًا المنهج العلمي وبالتالي كانت استنتاجاته عقلانية ومنطقية، في حين البعض الآخر تناولها وعالجها بمنهج لم يتجاوز حدود النص والنقل، ومن هنا كان تغيب العقل وتزيف الوعي اخطر استنتاجات هذا النهج وهنا جوهر المشكلة.
على أية حال الإشكالات التي طرحها الأنصاري هي طبيعة العقل العربي المتمسك بالموروث من جانب، والباحث عن المعرفة الحديثة من جانب آخر، علاقة العقل بالإيمان، الدين والدولة، النظرة إلى الغرب القومية واللاقومية.
يستطرد الأنصاري في إعطاء خلفية واضحة عن طبيعة هذه الإشكالات التي كانت ولا تزال موضع جدل بين فكر الاستنارة وفكر السلف الذي يتخذ من الموروثات قياسا ومنهجا له ما هي التحديات والانزلاقات التي تفرضها هذه الإشكالات؟ هذه هي المسألة التي ينبغي مناقشتها.
حول الإشكالية الأولى المتمثلة في طبيعة العقل العربي المتمسك بالموروث والباحث عن المعرفة الحديثة في ذات الوقت اختزل الأنصاري هذه المشكلة في تشبيه للمفكر زكي نجيب محمود والتشبيه هذا لا يخرج بأية حال عن التناقض الشديد الذي يعيشه العقل العربي الذي تعثر عقودا من الزمان ولماذا لا يتعثر وإحدى نواقصه التي لم يتفادها انه رهن الازدواجية والتبرير، ويتضح التشبيه في ان دماغ المتعلم العربي عبارة عن غرفتين متجاورتين وبينهما جدار سميك بحيث لا ينفذ شيء لشيء آخر، يعني في جانب هناك المعلومات العلمية الحديثة جدا والمتقدمة، وفي جانب آخر هناك الاحباطات والغرائز الشعبية والموروث غير المدقق فيه. والمشكلة هنا كما يوضحها الأنصاري ان الحجرتين المفصولتين بالجدار السميك ولا يوجد أي نوع من التفاعل بينهما تكشفان عن طبيعة هذه الإشكالية.
أما عن الإشكالية الثانية وهي العلاقة بين العقل والإيمان يقول وبإيجاز ان القول بان العقل يماشي الأيمان في كل شيء هو قول خاطئ، وهنا يدلل بما توصل إليه الفيلسوف الألماني «كانت» وهو لابد من وجود عقل أخلاقي، أي وجود عقل يستند إلى مبررات أخلاقية، وبالتالي فلابد من ان يكون لهذا العقل دوره.
أما بخصوص الإشكالية الثالثة إشكالية الدين والدولة في الفكر العربي يتساءل الأنصاري .. لماذا لم يؤسس المسلمون للفكر السياسي في الإسلام على أساس صحيفة المدينة التي وضعها الرسول؟ ويقصد من وراء هذا السؤال ان الرسول عندما أقام الدولة السياسية في المدينة المنورة وكتب صحيفة المدينة ميز بين المجتمع الديني والمجتمع السياسي، فالمجتمع الديني هو مجتمع المؤمنين من المهاجرين والأنصار. أما المجتمع السياسي فهو يضم المؤمنين ويضم عربًا ووثنيين لم يدخلوا الإسلام بعد، ويضم قبائل يهودية كانت تعيش في المدينة المنورة. ومن هنا يقول لابد من إعادة دراسة الفكر السياسي خاصة بعد ان تركنا صحيفة المدنية وذهبنا الى تأسيس الفكر السياسي إلى الأحكام السلطانية للماوردي المتوفى في منتصف القرن الخامس للجهرة، وهو يشمل توصيفًا للوضع السلطاني القائم في ذلك الوقت وليس في فكر الدولة في الدين.
والإشكالية الرابعة كما يراها الأنصاري النظرة الى الغرب، الغرب الحديث الذي لا يزال ينظر اليه الفكر العربي المعاصر كظاهرة استعمار، وبهذا يغفل الجانب الحضاري للغرب، ومن جانب آخر يرى ان هذه الحضارة ليست جمعيات خيرية تساعدك وإنما هي ذات مصالح، وبالتالي المطلوب هنا ان نفهم هذه المصالح ونفهم الحضارة الغربية مثل ما فعل اليابانيون الذين حاربوا الاستعمار بيد واستفادوا منه كقوة حضارية بيد آخرى.
وآخر هذه الإشكاليات مسألة القومية التي عبّر عنها الأنصاري بقوله «كان التيار القومي غالبًا في فترة من الزمن ولكنه هزم وخصوصا في معركة 67 والسؤال الذي يطرحه الأنصاري هنا .. هل لأننا هزمنا نتخلى عن الفكر الأساسي وعن المبدأ الرئيسي؟ والآن اذا نظرت الى خارطة العالم كله تجد انه مقسم الى قوميات، والاوروبيون كانوا قوميات متصارعة ولكنهم عرفوا بعدها ان من مصلحتهم ان يخلقوا بينهم الكتل الكبيرة لان العالم هو عالم الكتل الكبيرة ولا قيمة أبدا للكيانات الصغيرة، ودول مجلس التعاون تسعى إلى ان تكون كيانًا مؤثرًا، وأيضا الجامعة العربية والكتل العربية مازالت تحاول ولكنها مترددة في تقريرنا المتواضع، فالمشكلة هنا لا تنحصر فقط في التردد والتراجع وإنما أيضا في مساحة الديمقراطية المحدودة والضيقة وكذلك التعصب القومي والتطرف الذي أصبح من سمات الفكر القومي في الوطن العربي.
وأخيرا يمكن القول – بعد هذا كله – ان كل هذه الإشكاليات التي جاءت في محاضرة الأنصاري لا تقبل الشك، ولكن كيف تعالج هذه الإشكالات في ظل هامش الديمقراطية الضيق؟ هذه أيضا إشكالية أخرى.
الأيام 8 مايو 2010