يواصل عدد من الاقتصاديين الحديث عن <>انتهاء>> الأزمة العالمية. ويسند اعتقادهم ما جاء في بلاغ قمة مجموعة العشرين الأخيرة. فهل الأزمة في طريقها إلى الانتهاء أم التعمق، أم أنها تتحور، ومركز ثقلها يتنقل؟ وما علاقة الروابط الاقتصادية الخليجية الدولية والعملة الخليجية بهذه التقلبات؟
العالم كله يتحدث عن تدهور اليونان اقتصاديا وتداعي ذلك اجتماعيا وسياسيا. وغداً، الثلثاء يفترض أن يعلن الشعب اليوناني الإضراب العام الذي سيشل الحركة في البلاد. لكن الأمر لن ينتهي عند حدود اليونان ولا حتى الاتحاد الأوربي. المرض اليوناني ينشر عدواه عالميا. الأسبوع الماضي خفضت الوكالات بشدة التصنيف الائتماني لليونان والبرتغال معا. وعلى إثر ذلك انخفض سعر اليورو واضطربت بورصات العالم القديم بشدة وسرت موجة قوية من بيع الأوراق المالية التابعة لهذين البلدين. وأصبح الاقتصاديون يرسمون للاتحاد الأوربي أكثر السيناريوهات سوداوية بإعلان هذين البلدين حالة الإفلاس. ورغم محاولات الاتحاد الأوربي وصندوق النقد الدولي وبلدان أوروبية محددة تهوين الأمر، إلا أن المستثمرين يتحدثون أكثر فأكثر عن إفلاس اليونان كحقيقة تمَّت بالفعل. خصوصا بعد أن طفرت الفوائد السنوية على السندات اليونانية ذات العامين إلى 23%، بعد أن كانت 4.6% قبل شهر واحد فقط. وعلى وجه الخصوص فإن خفض وكالة S&P للوضع الائتماني لأثينا بمقدار ثلاث درجات دفعة واحدة إلى BB+ عنى في الحقيقة أنه في حالة إعادة جدولة ديون اليونان فإنه يمكن للدائنين استرداد 30 – 50 سنتا فقط مقابل كل يورو. هذا الوضع حول الأوراق المالية اليونانية إلى فئة <>القمامة>>. انعكس هذا فورا على سعر اليورو الذي انخفض يوم الأربعاء الماضي مقارنة بالدولار بنسبة 1.03%. وبدأ المستثمرون يهربون من اليورو إلى عملات يعتقدونها <>أكثر أمنا>> كالدولار.
من الطبيعي القول إن ما يجري في منطقة اليورو الآن يعكس آثاره التي يجب التنبه لها على الاقتصاد الخليجي. فأوروبا من أكبر شركائنا التجاريين. كما أن انخفاض اليورو قد يقوض الدعوة إلى تنويع احتياطات العملة الخليجية الموحدة. وإذا كانت اليونان والبرتغال تعانيان صعوبات في جذب الأموال، فإن عالم الأعمال، بما في ذلك القطاع المصرفي، سيعاني صعوبات أكبر. وعليه ستتراجع فرص إقراض المصارف للشركات في منطقتنا. كما أن الأثر السلبي المحسوس سيكون جراء انخفاض جدي في أسعار المواد الكربوهيدراتية والذي ستصاحبه على الأغلب صدمة جدية أخرى في النظام المالي العالمي بما يشبه العودة إلى حالة النصف الثاني من العام 2008 التي لا يرغب الكثيرون في تذكرها.
هناك الأثر المعاكس أيضا، سواء مباشرة أو على مستوى روابطنا الاقتصادية الدولية. إذا توسعت صادراتنا من الاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة فإن انخفاض اليورو سيساعد على تراجع التضخم في منطقتنا عبر انخفاض أسعار البضائع المستوردة من منطقة اليورو. وفي حين سيرفع ضعف اليورو القدرة التنافسية للبضائع الأوروبية، فإن هذا سيؤدي إلى سوء وضع الميزان التجاري للولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي إلى إضعاف الدولار مجددا.
دعونا هنا نختبر فرضية صحة تنويع مكونات الاحتياطات النقدية الذهبية للعملة الموحدة أو العملات الوطنية الخليجية في كل الأوقات. سعر صرف اليورو سيظل في الأشهر القريبة القادمة يهبط بجدية. وعليه فهل الوقت مناسب بالنسبة للمصرف المركزي الخليجي أن يفكر في جعل احتياطاته النقدية بالدولار وحده؟ المحللون القطاعيون في بلد نشترك معه كمصدرين للمواد الكربوهيدراتية كروسيا يقولون بثقة أن لا داعي لفعل ذلك. فرغم ما يحدث الآن في تناسب اليورو/ الدولار، إلا أن وضع الدولار لا يبعث على الاطمئنان هو الآخر. فحسب سيرغي فوندوبني، رئيس دائرة التحليل في شركة <>أربات كابيتال>> الروسية أن تشكيلة الاحتياطات النقدية الذهبية يجب أن تعكس من حيث الفكرة تشكيلة التجارة الخارجية، وعليه يقول <>لست واثقا من أن تحويل كل احتياطاتنا إلى الدولارات الأميركية هي فكرة جيدة>>.
وبدوره يرى ألكسندر كوبتسيكييفيتش، المحلل المالي لمؤسسة FxPro إن التخلي المطلق سواء عن اليورو أو الدولار يعتبر قرارا غير بعيد النظر، إذ قبل نصف عام فقط كان الحديث يجري عن الأمر ذاته، لكنه كان يتعلق بالدولار. أما على المدى البعيد فكما يقول كوبتسيكييفيتش، يجب أن لا ننسى فارقا دقيقا، وهو أن الدولار يزداد سعرا في وقت الأزمات فقط، في حين أن وقت الأزمات يكون عادة أقصر بكثير من أوقات النمو.
يرى الخبراء القطاعيون بأنه إذا كانت تذبذبات الدولار بحدود 20% في السنة لم تدفع مصارف مركزية إلى التخلي عن الحصة الرئيسية للدولار في مكونات الاحتياطي، فإن الأجدر هو أن هبوط اليورو بنسبة 14% لا يجب أن يدفع إلى هكذا إجراء بالنسبة لليورو. وحكما على سيناريو بداية الألفية، يرى بعض الخبراء أنه بقدر نمو الاقتصاد العالمي وأسبقية النمو في الاقتصادات الناشئة سيمتلك الدولار ميلا مستمرا إلى الانخفاض، واليورو إلى الارتفاع. وعليه فإن الأحاديث عن <>انهيار>> اليورو وقوة الدولار لا تملك أساسا سوى من زاوية مصلحة المضاربين، بمن فيهم المضاربين السياسيين.
وهكذا تبقى فكرة توازن المصالح في العلاقات الاقتصادية الدولية وتنويع مكونات الاحتياطي النقدي للعملة الخليجية الموحدة بما يتناسب والميزان التجاري في الاتجاهين صحيحة في كل الأوقات، وفي كل الأوقات أيضا لا يجوز وضع كل البيض في سلة واحدة.
صحيفة الوقت
3 مايو 2010