النفوس مغمورة في بحر السرور، فقد حلّت ساعة الدهشة وموعد لمّ شمل المسرّات لنشر أجنحة الحنايا في فضاءات الفرح ، فبعد جهد جهيد ، وبعد انتظار دام أكثر من أربعة أشهر، منذ تسجيل بيانات عقد الزواج في لجنة الصندوق الخيري،الخاصة بجمع التبرعات من المحسنين
قصة قصيرة
فرحة عيال الملحة …!
النفوس مغمورة في بحر السرور، فقد حلّت ساعة الدهشة وموعد لمّ شمل المسرّات لنشر أجنحة الحنايا في فضاءات الفرح ، فبعد جهد جهيد ، وبعد انتظار دام أكثر من أربعة أشهر، منذ تسجيل بيانات عقد الزواج في لجنة الصندوق الخيري،الخاصة بجمع التبرعات من المحسنين ، أفراداً ومؤسسات ، حان اليوم توزيع بطاقات الدعوة لحفل الزواج الجماعي ، حيث تم منح كل عريس،مائة وخمسين بطاقة للأهل والأصدقاء.
كان اسم علاء حسين جعفر،التاسع بين اثني عشر عريساً،وصورته الزاهية الألوان،وهو يعتمر الغترة والعقال بثيابه وعباءته العربية،وبهاء محيّاه الذي زينته رتوش الحلاق الهندي الحاذق،والفنان الفلبيني في الإستوديو،بلحية الشباب المصقولة
ذات السنوات الخمس والعشرين،يبدو كإبن أحد وكلاء السيارات أو الوجهاء الميسورين أوحتى…!.
– أين عبد علي؟(نادى والد العريس وقد ضاقت عليه ملابس اللحظة،مشيراً لإبن أخيه)
– نعم يا عم( يجيبه من الغرفة المجاورة الصغيرة المتداخلة)
– (إبتسامة عشرينية العمر تعلو شيبته)اليوم يومك يا بطل..فمن غيرك يحسن خط أسماء المدعوين؟!
– حاضر وبكل سرور(مبادراً بتسلم بطاقات الدعوة).
– احرص على عدم الخطأ فالعدد محدود.
– طبعاً( مبتدئاً بالكتابة).
ينتصب ظهر أب العريس كرمح ليزدهي بنشوة السيد المطاع :
– أهلاً..أهلاً بالأحباب مشاركين ومباركين.
– (يفاجئه صوت أجش)إثنان وثلاثون عاماً وأنت تطيع أوامر تنظيف المكتب وتلبية طلبات الموظفين..جاء الآن دورك ولو لساعات .تأمر فتطاع.
– ( الأب متململاً أنت حسود حتى هنا) يا رجل دعك من هذا(محسن..إسم على غير مسمى).
– ما بك؟ لا تخف فعيني باردة.
– ( حقاً أنه يعرف نفسه)المهم أن يتم الفرح على أحسن وجه.
يهبط المساء على القرية ناشراً مظلته المزدانة بالمصابيح الملونة لعرس الشبيبة.
يتقاطر المهنئون زرافات وفرادى فيستقبلهم منظمو الاحتفال بالترحيب والمساعدة في إيقاف سياراتهم والتوجه للتهنئة وتناول وجبة العشاء،فيما مذيع الحفل يتلو تبريكات بعض الضيوف.
علاء والأحد عشر عريساً ، يصافحون أيدي قلوب الناس ودفء قبلاتهم.
من بعيد تلوح وجوه عبد الحق ومشتاق وحتى رام بسحنتهم الآسيوية ومعهم ثلاثة من البحرينيين العاملين في الفندق حيث يقوم علاء بواجبه كعامل صيانة.
– أهلاً عبد الحق ..شكراً مشتاق ورام وأولاد العم( يعني زملاءه البحرينيين).
فجأة يستعرض ذكرى صور حفلات العقد أو الزواج لشخص واحد فقط وتكاليفها التي تبدأ من خمسة آلاف دينار تصاعدية حسب ذوق الجيوب ودسم الأرصدة.
يتذكر أنه و(عيال الملحة)من موظفي الفندق ، تشبع بطونهم وعوائلهم من طيبات أصناف الطعام، طيلة شهر كامل إذا ما رزقوا بأربع حفلات شهرياً وعند الزيادة فللأقارب نصيب.
إنتبه من حلم يقظته حينما أمطره معارفه بماء ورد التحية.
بعد ساعات عذبة بعذاب الوقوف وبحّة الكلمات، ينتهي الحفل بالزفاف إلى قفص السعادة.
يدخل علاء – مأخوذا بموجة المشاعر- غرفته التي بناها بالعمل التطوعي المتقطع على مدى أشهر وحسب السيولة والديون والمشاركة بجمعية شعبية للتوفير،فغلاء مواد البناء لا يرحم، تلك الغرفة التي بناها نزولاً عند رغبة والده المضطر:-
– أنت إبننا البكر ونريد أن نفرح بك، وقد توفيت والدتك دون أن ترى عرسك..صحيح أن مجموعنا ثمانية وبيتنا صغير جداً ولكن ما في اليد حيلة،فراتبك الشهري لم يصل الثلاثمائة دينار وأسعار الأراضي نار وتكلفة البناء بالنسبة إلينا والغالبية خيالية، وهذا جواد إبن عمك أستأجر شقة صغيرة وقديمة بمائة وخمسين دينار شهرياً،وزميلك دعيج خليفة عبد الرحمن كذلك،كل الفقراء كذلك.
أكثر من مرة، قال له والد زوجته، السيد هاشم سيد علوي:-
– يا ولدي علاء حالنا من بعضه.. ولداي إستغرقا حوالي الأربع سنوات لبناء شقتين من غرفة واحدة وصالة فوق سطح منزلنا..وأنت منذ سنتين فقط.. وها(أشار بيده نحو الفيلا ذات الثلاثة طوابق ويسكنها أربعة أشخاص )أرزاق (متبرماً) كما يقولون!.
يتناسى هموم الديون وضيق السكن،مستبشراً بقادم الأيام.
يتهلل وجه عروسه خديجة فنجم العشية في يدها.
زغاريد النسوة وأغاريد الأكف تعبق في سماء المكان.
علاء وخديجة وعالم جديد….
عـبدالصـمـد الـلـيث
18ابريل 2010