قد لا نعرف عنه الكثير، وقد نجهل تفاصيل عديدة توزعت على فترات متعددة طيلة سنوات عمره السبعيني الذي قضى جله مدافعا عن قضايانا الوطنية، حيث كان على الدوام في الصفوف الأمامية مدافعا صلبا وشجاعا عن العمال والمعذبين والفقراء والمضطهدين، في سنوات الجمر وما بعدها، لكننا وفي حدود ما تيسر لنا معرفته عن سيرته الذاتية الناصعة البياض، عرفناه بسيطا متواضعا شهما غيورا ووطنيا بامتياز، رغم أنه لا يطيق الحديث عن تلك السيرة المشرفة، وهو الذي عرف بشدة بأسه عندما يتعلق الأمر بحق من حقوقنا أو قضية من قضايانا الوطنية، فان ذلك كفيل بان يفجر الدم في عروقه التي أتعبتها سنوات الضنك والمعاناة في المعتقلات وغرف التحقيق عبر مراحل زمنية ونضالية متواصلة كان فيها إلى جانب رفاق دربه صبورا، مستعدا على الدوام لكل الاحتمالات مهما اشتدت المصاعب. إنه جليل عمران، الذي لقبه رفاقه «بالحوري» نسبة الى منطقة سكناه في حي الحدّادة بمنطقة الحورة، حيث تتفتح براعم الوطن الواعدة بمستقبل أكثر إشراقا.
هذا «الحوري» الذي ترجل مؤخرا هو أحد أولئك البسطاء الذين شغلهم على الدوام حب هذا الوطن، فرخصوا أحلى سنوات العمر في سبيل نهضته ورقيه وتقدمه، قد لا يعرفه الكثيرون وهو العامل البسيط المعدم، النقابي الذي عاش ومات في سبيل قضية آمن بها وتلبَسته حتى الرمق الأخير، إنها قضية الطبقة العاملة ومعاناتها مع الجشع والاستغلال، لذلك كان جليل عمران، احد أهم المؤسسين للجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين إلى جانب رفيقيه المناضلين عباس عواجي وعبد الله مطيويع وآخرون، ويشهد التاريخ على حجم ما عاناه هؤلاء وبقية رفاقهم من مصاعب جمة أوصلتهم مرارا إلى غرف التحقيق والزنازن. لكنهم بقوا أوفياء لقضيتهم فكانوا الأساس المتين لما تنعم حركتنا العمالية اليوم بشيء من رحيقه الذي هيأ له نهج الإصلاح وعهده.
لهذا لم نستغرب أن يعاند جليل عمران نصيحة أطبائه ورفاقه الذين أوصوه بالحذر واخذ الراحة حتى يستعيد شيئا من صحته التي تدهورت كثيرا قبيل وفاته، وهو الذي عاد للتو من رحلة علاج مضنية، لم نستغرب أن يستقل باص النقل العام بعد أن تعمد رفاقه عدم اصطحابه معهم إلى موقع اعتصام نقابة المصرفيين الأخير خوفا عليه، وقد شاهدته بأم عيني حين وصوله إلى موقع الاعتصام مغتبطا وفي نشوة غير عادية وهو يرقب بقية زملائه ورفاقه النقابيين وأهازيجهم المطلبية، لينفجر مجلجلا وكأنه قد وجد نفسه وشبابه مجددا في هؤلاء الذين وقفوا مطالبين بحقوق المسرّحين من بعض المصارف، جراء سياسات تلك المصارف التي وجدت ضالتها في عمالتنا البحرينية باعتبارها «الطوفة الهبيطة» كما يقول مثلنا الشعبي، على الرغم من غياب من يعنيهم الأمر من المسرّحين الذين لم نر لهم حضورا يذكر في تلك المسيرة الحاشدة. لقد اسلم هذا النقابي العنيد والصلب الروح أمامنا جميعا وهو يهتف بوحدة العمال وان يرفعوا رؤوسهم دون خوف في وجوه مستغليهم، حيث لم تفلح محاولات المسعفين من رفاقه ومن بعدهم طواقم الإسعاف الطبية التي وصلت متأخرة، لينال جليل الحوري بوفاته شهادة شرف وامتياز يُجمع كل من عرفوه أنه يستحقها عن جدارة وهي خير تكريم لهذا النقابي المُخضرم الذي اثبت مجددا أن الثبات على المبادىء والموت بشرف دفاعا عن القضية وفي سبيل الآخرين هو ديدن أمثال هؤلاء الشجعان في زمن تراجعت فيه القيم والأخلاق والمروءة.
بقي أن نقول أن رحيل رفيقنا «الحوري» الفاجع أمام قيادات العمل النقابي في النقابات واتحاد عمال البحرين الذين شاركوا بكثافة في اعتصام المصرفيين الأخير، وهو يهتف مطالبا بوحدة الطبقة العاملة، يجب أن يكون حدثا تتعلم منه قياداتنا العمالية، جميعها دون استثناء، دروسا وعبر للملمة صفوفها مجددا، بعيدا عن تلك التمايزات وذلك التهافت المقيت وصولا لحركة عمالية متراصة وقوية في وجه ما ينتظرها من تحديات قادمة، ليكون ذلك خير تكريم لجليل الحوري وكافة النقابيين الذين رحلوا دفاعا عن مصالح الطبقة العاملة البحرانية.
صحيفة الايام
2 مايو 2010