لا أعرف حقيقة لماذا يراودني الإحساس ويلازمني بأن عامنا الحالي 2010م هو عام الأحزان، هذا مع أننا لم نعش أعواما سعيدة منذ حقبة بعيدة، ولا يراودني هذا الشعور بسبب تفاقم الأوضاع سوءا على مختلف الأصعدة الدولية والعربية والمحلية، بل بسبب هذه الكوكبة من الرموز الفكرية والثقافية والعربية والنضالية الفذة التي تغادر دنيانا سريعا وفجأة واحدا تلو الآخر على الساحتين العربية والمحلية، فلم تمض سوى أسابيع قليلة على رحيل المناضل والمبدع العبقري الموسيقي مجيد مرهون حتى صدمنا مؤخرا برحيل المناضل النقابي جليل الحوري.. آمل أن يكون إحساسي التشاؤمي ليس في محله إذا ما جاءت الأيام المتبقية القادمة من ثلثي العام هي أجمل من الأيام التي سبقتها أو على الأدق أقل سوءا.
لقد كان المناضل النقابي الصديق جليل الحوري من النقابيين البحرينيين والعرب النادرين الذين يحق للحركة النقابية البحرينية والعربية أن تفتخر بهم حقا بعد مسيرة أربعة عقود طويلة نضالية نقابية حافلة بالتضحيات الجسام ونكران الذات في سبيل مطالب وحقوق الحركة العمالية النقابية ومن أجل نهضة وتقدم شعبه ووطنه.. بيد أن ما يميز المرحوم الحوري عن نقابيي الأمس ونقابيي اليوم أنه نسيج وحده من القلة النادرة من النقابيين في عصرنا الذين ظلوا متشبثين بقوة وصلابة بمبادئهم الوطنية والفكرية والنقابية ولم يفت في عضد عزيمتهم أبدا كل ما جرى خلال العقدين الماضيين من طوفان التحولات الهائلة والانهيارات والانكسارات وتبديل الجلود بالجملة والانهزامات الداخلية، فقد ظل محتفظا مدافعا لا يلين عن المثل والأفكار التي ناضل وآمن بها طوال حياته وظل حتى الرمق الأخير من حياته محتفظا بينبوع حماسه المتدفق الذي لا يعرف الكلل أو الجفاف.
اشتهر النقابي الحوري بجرأته وبحماسته الشديدة الحارة منذ شبابه كما يؤكد كل أترابه من معارفه وأصدقائه ورفاقه، لكن هذه الدفقة من الحماسة المتفجرة ظلت خصلة يتميز بها حتى وهو كهل إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، فلكأنك حينما تستمع إليه حتى الأيام الأخيرة من حياته تستمع إلى رجل في عنفوان الشباب الأول لا إلى رجل قارب السبعين، ورحيل مثل هذا المعدن من الرجال والرموز النقابية والوطنية يصعب حقا في زمننا الرديء تعويضها.
لم ألتق الفقيد الراحل جليل منذ نحو عام أو عامين لكنني كنت حريصا دائما على السؤال عنه وعن أحواله من معارفه وأقاربه، وفي كل مرة عند ذهابي إلى مبنى صحيفة “أخبار الخليج” أسأل عنه ابن عمه الزميل محمد موظف البدالة، وفي مساء يوم وفاته نفسه صدمني الأخ محمد صدمة كبيرة حينما سألته: ما هي أخبار “أبومنير”؟ هل أبلغته تحياتي؟ فأجابني بنبرة حزينة “لقد تلقيت مكالمة منذ قليل بأنه سقط متوفيا إثر نوبة قلبية في اعتصام المصرفيين، وانني بصدد مغادرة الدوام الآن”.
وكررت عليه مذهولا: ماذا تقول؟ لكنه أعاد عليّ تأكيد الخبر.
لا أعتقد أنني بحاجة إلى إعادة اجترار ما هو معروف عن النقابي والوطني الفقيد عبدالجليل الحوري من خصال ومناقب وما قدمه من تضحيات، لكن في تقديري ثمة ثلاث خصال وطنية ونقابية ظلت تميزه: أولاها إخلاصه الشديد للمثل والمبادئ الوطنية التي ظل مؤمنا بها حتى الرمق الأخير من حياته، وثانيتها الجذوة الحماسية الثورية المتدفقة التي ظلت متقدة في صدره لم تفتر ولم تخمد قط منذ فتوة وعيه السياسي والطبقي المبكر، وثالثتها محافظته على بساطته الشعبية في كل شيء لباسا وحديثا، وقد عاش طوال حياته عاملا معدما ومات عصاميا معدما.
فرحم الله الفقيد عبدالجليل الحوري.. وألهم ذويه الصبر والسلوان.
صحيفة اخبار الخليج
28 ابريل 2010