من أكثر أعياد مجتمعنا الدولي المعاصر التي تكتسب أهمية ودلالات محلية وعالمية عيد المرأة العالمي وعيد العمال العمالي، إذ لا تكاد دولة من الدول أو مجتمع من المجتمعات الدولية لا تحتفل بكلا العيدين بالشكل المناسب الذي يليق بهما وبما يعكس التطور والمكتسبات التي حققتها المرأة والطبقة العاملة في الدولة.
العيد الأول، ألا هو يوم المرأة، مر كما نعلم في الثامن من مارس الماضي، لكن كيف مر؟ وكيف احتفلت به البحرين والدول العربية والعالم؟ أما الثاني، يوم العمال العالمي، الذي يصادف عادة الأول من مايو سنويا، أي سيحل بعد أيام قلائل، فلا أحد يعلم أو يستطيع التكهن مقدما كيف سيمر محليا وعربيا وعالميا؟ وان كان من المؤمل ألا يكون حاله كحال الاحتفالات التي صاحبت يوم المرأة العالمي في الثامن من مارس الماضي وهو موضع حديثنا في مقال اليوم.
فقد كان من المفترض على مختلف الأصعدة المحلية والعربية والدولية أن يكون الاحتفال هذا العام بيوم المرأة مميزا أي غير عادي لعدة اعتبارات، منها على سبيل المثال، لا الحصر، ان هذا العام يصادف مرور قرن منذ اقرار وتدشين مجتمعنا الدولي المعاصر هذا اليوم يوما عالميا، وذلك حينما أقر المؤتمر الثاني للنساء الاشتراكيات في كوبنهاجن عام 1910 برئاسة المناضلة الالمانية كلارا زايتكين ومجموعة من المناضلات من بلدان عديدة مختلفة جعل الثامن من مارس من كل عام يوما عالميا لتوحيد وتضامن النساء في كل العالم من أجل حقوقهن المشتركة.
ومثلما انطلقت فكرة تحديد الأول من مايو من كل عام يوما أو عيدا للعمال من الولايات المتحدة على خلفيات وتداعيات اضراب عمال شيكاغو الذي انتهى بنهاية مأساوية بسقوط عدد من العمال المضربين برصاص البوليس، فإن فكرة جعل هذا اليوم العالمي (يوم الثامن من مارس) انطلقت أيضا من الولايات المتحدة وذلك على اثر خروج النساء العاملات في النسيج والخياطة في احد المعامل الكبيرة بنيويورك في مظاهرات احتجاجية على الظروف غير الانسانية التي يجبرن العمل في ظلها ومنها العمل لساعات عمل طويلة وتشغيل الأطفال والمطالبة بحق النساء في الانتخاب. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير مصرع مائة امرأة حرقا في احد أقسام المعمل من جراء الاهمال وغياب شروط السلامة.
جرى اعتماد هذا الاحتفال في البداية من قبل ألمانيا والدنمارك وسويسرا والنمسا، لكن الثامن من مارس لم يتسع الاحتفال به كيوم عالمي للمرأة الا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على اثر اعتماد هذا اليوم ودعمه من قبل اتحاد النساء الديمقراطي العالمي، ثم تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو دول العالم كافة إلى الاحتفال بالثامن من مارس كل عام كيوم عالمي للاحتفال والتضامن مع المرأة.
ومن المؤسف انه في الذكرى المئوية للاحتفال بيوم المرأة ان نرى حقوقها عربيا تراجعت قرونا الى الوراء عما كانت عليه قبل ثلاثة عقود فقط.
وعلى سبيل المثال فالمرأة اليمنية في الشطر الجنوبي التي كانت تتمتع بقانون متطور يحمي الحد الأدنى من حقوقها وأسرتها والاحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والاسرة تم نسفه بعد دمج جمهورية اليمن الديمقراطية في الشطر الجنوبي مع الجمهورية العربية اليمنية في الشطر الشمالي بدولة موحدة.
والقانون المتطور، الى حد ما، الخاص بالأحوال الشخصية والمرأة الذي كان سائدا في العراق منذ ثورة 1958 تم نسفه على أيدي الحكومة التي يغلب عليها الاسلام السياسي الشيعي والتي جاءت بعد الاحتلال الامريكي للعراق.
أما في أقطار الشام، وعلى الأخص سوريا والأردن، فإن ما تسمى بـ “جرائم الشرف” تحصد كل أسبوع أو أشهر عددا من ضحاياها من الفتيات الصبايا في عمر الزهور في قضايا أغلبها تقوم على الشك والوسواس الخناس.. ومازالت السلطات العربية المعنية عاجزة أمنيا وقضائيا واجتماعيا عن وضع حد لهذا النوع من الجرائم وعدم التساهل أو المرونة مع مرتكبي هذه الجرائم من أهل الضحية.
في مصر جرى القبض في الخريف الماضي على 25 مأذونا لتورطهم في تزويج قاصرات لرجال أعمال كبار مصريين وعرب بعد تزوير أعمارهم نظير مبالغ كبيرة وواحد من هؤلاء المأذونين تورط في عقد قران 114 فتاة قاصرا لكن لم يحكم عليه بالسجن سوى عامين. وفي اليمن لقيت طفلة زوجة حامل مصرعها على اثر تداعيات مرض الحمل المبكر جدا، وأخرى في السن نفسها لقيت مصرعها على اثر تداعيات اجبارها على الرضوخ بقبول معاشرة زوجها لها الذي يكبرها بثلاثة أضعاف. لكن كل ذلك يجرى في ظل صمت غريب من قبل المؤسسات الدينية العربية المعنية حول مدى جواز اقرار هذا النوع من الزيجات الخطيرة في عصرنا.
حينما كان هذا النوع من الزيجات مباحا في عصور الاسلام الاولى لم يكن الوعي الصحي والاجتماعي متطورا كما هو اليوم، ولم تكن الفتاة الطفلة القاصر منتظمة في دراسة ابتدائية أو اعدادية ينبغي لها إكمالها بل إكمال دراستها الجامعية التي لن يقل عمرها بعد إكمالها عن 21 عاما، وإلا فإن الحياة العائلية والاجتماعية لن ترحمها إن هي تزوجت من دون إكمال مسيرتها الدراسية. فهل هذا من أسباب اعتراض بعض الجهات الدينية على سن قانون للأحوال الشخصية لانه جرؤعلى “شرع الله” بقانون “وضعي” يحدد سنا للمرأة للزواج؟ مجرد سؤال نطرحه على أهل الحل والربط.
في خريف العام الماضي رفعت نخبة كبيرة من المفكرين والمثقفين السوريين رسالة إلى رئيس الجمهورية يناشدونه ايقاف مسودة قانون الأحوال الشخصية لما ينطوي عليه من تراجعات عن حقوق المرأة وإصدار قانون أسرة جديد يلبي حاجات العصر وتشكيل لجنة مؤلفة من هيئات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات حقوقية وممثلين من كل الطوائف لإصدار قانون الاسرة.
وغداة الاحتفال بيوم المرأة صرحت الناشطة النسائية مريم الرويعي بأن الشق الثاني من قانون الأسرة أو الأحوال الشخصية مجمد، ولم ير النور، وذلك بعد ان دخل نفق التسييس هذا مع العلم انه حتى الشق الأول الذي صدر هو دون الحد الأدنى من طموحات المرأة لنيل حقوقها، لكن وجوده على الأقل في اطار تشريعي خير ألف مرة من تركه لتقديرات القاضي أو في ظل الفوضى القضائية والتشريعية الراهنة التي تدفع ثمنها المرأة في المذهب الشيعي في المقام الأول.
صحيفة اخبار الخليج
27 ابريل 2010