لا أحد يتغزل بلحظات الموت لأنها ملفوفة بالدمع والأسى.. بيد أن لحظة الموت قد تكون جميلة عندما تكون تتويجاً لمسيرة الحياة وإطاراً يُطري الصورة التي يحتضنها.. الصحابي عبدالله بن بشر الذي مات وهو يصلي؛ اللاعب الذي لا استحضر اسمه؛ والذي مات مبتسماً وسط المباراة.. طلال المداح الذي وافته المنية وهو يغني.. الشاب المصري الذي رحل وهو ساجد في المسجد النبوي وغيرهم ممن عرفوا منايا مرتبطة بما شغفوا به في الحياة وتنفسوه وداروا في فلكه حتى رحيلهم.. وحري بنا أن نسجل النقابي جليل عمران ضمن القائمة؛ بعد أن وافته المنية في الاعتصام الجماهيري وهو يصرخ من قلبه لا من رئتيه “يا عمّال البحرين اتحدوا”.
لا مدحاً ولا تقريظاً ولكن البحرين أنجبت – وما زالت- كماً من المناضلين الذين لا يوجد لهم نظير في الخليج.. مناضلين من أجل الاستقلال والحرية، مناضلين من أجل العدالة؛ مناضلين لإنصاف الطبقة المهمشة ومناضلين ضد الفقر والظلم والتعصب والتمييز.. وقد يكون الكم الكبير من المناضلين في هذه البلاد هو ما يحول بيننا وبين حصرهم وإعطائهم المكانة التي يستحقون في حياتهم.. فلا عجب أن لا نعرفهم حقاً؛ ولا نتحدث عنهم إلا بعد رحيلهم..
قبل وفاته بساعات؛ كانت معلوماتي عن الفقيد لا تعدو كونه ناشطا نقابيا منضويا تحت جمعية المنبر التقدمي؛ في الأيام الماضية علمت أنه مناضل سخر زهاء خمسين عاماً من حياته للدفاع عن حق العامل في الكرامة والاحترام.. وقد كلفته مسيرته الكفاحية الكثير فقد دفع ثمن نضالاته سنوات مديدة من عمره قضاها في المعتقلات والتوقيف وكما وحورب في رزقه وتعرض للفصل مراراً جراء مواقفه تلك.. ويذكر له رفاق الدرب أنه – في 13 مارس 1972- فتح صدره للرصاص في تظاهرة عمالية وثار على رفاقه العمال لما تراجعوا هربا من الرصاص ومسيلات الدموع.. شجاعته ألهمت على الدوام رفاقه الذين سموه “أبو النقابيين” وكان تواجده الدائم – رغم تهاوي صحته- مبعث قوة وعزم للمشاركين في الفعاليات النقابية التي كان يحرص على عدم تفويتها..
قبل أيام فقط دعت نقابة المصرفيين لاعتصام للتنديد بالسياسات الجائرة للمصارف التي تتذرع بالأزمة الاقتصادية لتقليص العمالة الوطنية – مع- الاحتفاظ بالأجنبية في مخالفة صارخة للمادة 13 من قانون العمل التي تنص على التدرج في الاستغناء بدءا بالعمالة الأجنبية وفي تجاهل صارخ للتطمينات الحكومية التي تؤكد مراراً بعدم المس بالعمالة الوطنية وفي الوقت عينه تلتزم الصمت إزاء تعرض 600 مصرفي للتسريح بتعويضات هزيلة مع تعرض الباقين لتعديات صارخة على مكتسباتهم من مكافآت ومزايا رغم استقرار أرباح تلك المصارف بل وتزايدها..!!
أمام حدث كهذا، ورغم اعتلال صحته؛ أصر الفقيد على المشاركة ودعم النقابيين.. فاستقل النقل العام ” ما يعكس بالمناسبة الأوضاع المعيشية التي يعيش فيها مناضلونا” وقصد التظاهرة التي انتهت بفاجعة رحيله الذي نغبطه عليه لأنه مات وسط من يحب؛ في خدمة القضية التي آمن بها وكرس لها حياته فله – ولأمثاله- منا كل تحية وتبجيل..
الوقت 27 ابريل 2010