ينتسب جليل عمران الحوري الى تلك الفصيلة المقدامة من رواد الحركة النقابية وقادة النضال العمالي التي وضعت مداميك العمل النقابي في البحرين، في زمن كانت فيه الفرائص ترتعد من مجرد ذكر كلمة نقابة، فما بالك بالعمل في سبيل تأسيس النقابات، والى هذه الفصيلة تنتسب أسماء أخرى لامعة في تاريخنا العمالي والنقابي لا يتسع المجال هنا لتعدادها، ونخشى أن نسهو عن ذكر أحدها أو بعضها لو حاولنا ضرب الأمثلة فقط، لذا نكتفي بتوجيه تحية النضال لهم جميعاً، لمن غاب منهم، كما هو شأن جليل عمران الحوري نفسه، وندعو بطول العمر للاخرين.
كان جليل عمران الحوري ورفاقه في زمن الجمر يؤسسون اللجان العمالية وينظمون الاضرابات ويقودون المسيرات والاحتجاجات دفاعا عن حقوق العمال وفي سبيل إطلاق حرية العمل النقابي، وكانت ضريبة كل ذك مكلفة.
كل ذلك لم يثن جليل الحوري عن مواصلة نضاله وتمسكه بحقوق الطبقة العاملة التي ظل فخوراً بكونه أحد أبنائها الأوفياء، واستمر في ذلك حتى آخر لحظة في حياته، أو كما جاء في بيان المنبر التقدمي الذي نعى فيه الفقيد: «حتى الرمق الأخير بالمعنى الحرفي للكلمة»، حيث لا مجاز هنا ولا تورية، وما الصور المنشورة له في الصحف أمس وهو يهتف في اعتصام نقابة المصرفيين، قبل هنيئات من إسلامه للروح، إلا البرهان الساطع على ذلك.
من الحورة، من فريق الحدادة في قلب الحورة، أتى هذا البروليتاري العنيد، من قلب ذاك الزمن المتقد بالوعود، حيث كانت الحورة فيه مصهراً انسانياً فريداً للمناضلين من شتى الأعراق والمذاهب والتحدرات، يجمعهم حب الشعب والوطن، ويقدمون النموذج الراقي في الأخوة الإنسانية والكفاحية المتعالية على كافة المظاهر الشوفينية والمذهبية والعنصرية، وفي هذا المصهر الإنساني العجيب تربى وناضل جليل الحوري، مع بقية رفاقه.
في ظروف العلنية واصل جليل الحوري ما لم ينقطع من نضاله في صفوف المنبر الديمقراطي التقدمي، فكان حاضراً في كل الأنشطة والفعاليات، رغم تدهور وضعه الصحي، وكان بذلك يقدم أنموذجاً يحتذى به من قبل الأجيال الجديدة من الشباب، ورداً بليغاً على هواة الثرثرة الفارغة.
ما أحوجنا الى أن نتعلم الدروس من سيرة هذا المناضل الصلب، وما أحوج الحركة النقابية في البحرين اليوم إلى أن تجعل من هذه السيرة، كما من سيرة سواه من رواد العمل النقابي والنضال العمالي، منارةً يهتدى بها، من أجل ان يعرف الجميع أن نيل حرية تشكيل النقابات الذي ينعم به عمالنا اليوم، كثمرة من ثمار المشروع الإصلاحي، قدمت في سبيله تضحيات جليلة، وعانى جليل عمران الحوري ورفاقه من الأهوال الشيء الكثير في سبيل بلوغ ما بلغناه.
ولعل في ذلك ما يساعد في سبيل بناء الحركة النقابية البحرينية على أسس جامعة، تعيدنا إلى صفاء ذلك المصهر الإنساني المتجرد الذي به ومنه تشكل جليل الحوري وأبناء جيله من رواد الحركة النقابية.