اتفق تماما مع ما ذكره الأخ عبدالإله القاسمي الرئيس التنفيذي «لتمكين» في معرض إيضاح له على مقال للزميلة ريم خليفة من «صحيفة الوسط» بتاريخ 15 ابريل الجاري حول «حملة أصيل». فقضية ترسيخ ثقافة العمل والإنتاج في عقول أبنائنا وبناتنا باتت مطلبا من قبل الجميع في البحرين، وكثيرا ما تجري مقارنة غير عادلة في بعض جوانبها بين أجيال متباعدة بالنسبة لهذه المسألة، التي كثيرا ما مثلت الثغرة المعيبة بالنسبة لجزء كبير من الأجيال الشابة، وهي الثغرة التي ربما سمحت بضياع آلاف فرص العمل من أيدي أبنائنا وبناتنا لصالح العمالة الأجنبية غير المدربة في غالبيتها، والتي تستفيد من فرص التدريب والتوظيف لسد الفراغ في سوق العمل المحلي، واليهم صارت تذهب الامتيازات وفرص الترقي والأجور المجزية بكل أسف.
وللعلم فان ذلك في حد ذاته يعد خسارة كبيرة ليس لشبابنا فقط وإنما أيضا لاقتصادنا الوطني أيضا، حيث تستنزف تلك العمالة الأجنبية المفترض أننا لسنا في حاجة فعلية لأعداد كبيرة منها، تستنزف أموالا وأجورا سرعان ما تُرحّل للخارج بالمليارات، ليبقى بعدها جزء غير يسير من الباحثين عن عمل من أبناء وبنات البحرين في حالة تذمر وشكوى لا تنتهي، يزيدها سوءا بعض المعوقات الاجتماعية المنّفرة من قيم ومضامين العمل كحق وواجب، على أن الأمر بات يستدعي بالفعل تطوير ثقافة العمل والإنتاج المتراجعة لدى قطاعات واسعة من أبنائنا، والتي ربما ساعد على تراجعها ظروف ذاتية وموضوعية أخرى تفوق أحيانا حتى قدرة هؤلاء الشباب والشابات على التعامل معها في ظل تراجع بعض القيم والمضامين الدافعة لها، فعلى سبيل المثال تبقى المحسوبية والفئوية وممارسات التمييز الصارخة في مواقع العمل جميعها حالات طاردة ومنفّرة يجب أن تلتفت إليها الدولة و«تمكين» باعتبارها جهة معنية بمهمة تدريب وتأهيل البحرينيين، ولو أن الأمر برمته يتجاوز كثيرا قدرة ومسئولية هذه المؤسسة الفتية لوحدها، التي أثبتت حيادا ومسئولية نغبطها عليها. ولا نحتاج كثيرا لندلل على ما نقول في هذا الصدد فهناك، آلاف القصص التي من الممكن أن تحكى باستمرار في جميع مؤسسات القطاعين العام والخاص، خاصة ما يرتبط فيها بقضايا التوظيف والترقي والزيادات وتقارير الأداء السنوية للموظفين بل نزيد عليها أن هناك مؤسسات أصبح يشار لها بالبنان بكل أسف، باعتبارها متاريس محصّنة لفئوية مفرطة- ولا أقول طائفية فحسب- فهناك الآن عوائل وجماعات وتيارات مجتمعية، أصبحت تهيمن على بعض القطاعات تحت سمع ونظر ديوان الخدمة المدنية وجهات التوظيف الأخرى في القطاع العام، وسايرها في ذلك بطبيعة الحال القطاع الخاص دون أن يمتلك أحد الشجاعة لوقفها، وهي التي غدت عوامل هدم واضحة في بنية الهياكل المجتمعية والوظيفية في غالبية مؤسسات الدولة، وبات مجرد الحديث عن ضرورة استئصالها كجزء من منظومة الفساد الإداري في جسد الدولة يعد أمراً مفزعا للبعض، ممن اعتاشوا واعتادوا طويلا على ذلك، رغم أن الأمر برمته بات يحتاج لوقفات شجاعة تقول لكل من تمادوا في إحباط أبنائنا وبناتنا وطبقتنا العاملة وتفتيتها توقفوا فتلك جريمة فساد كبرى تمارس بحق البحرين ومستقبلها، وعلى من يمتلكون الغيرة وهم كثر في هذا الوطن أن يقوموا بمسئولياتهم إذا أردنا فعلا أن نصلح تلك الإعوجاجات المزمنة، ولتكن أولى الخطوات بأن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ليس فقط في مواقع العمل المختلفة وإنما في تلك الجهات المعنية بالرقابة على الأداء الإداري للدولة، دون النظر إلى أي فئة أو أي جهة ينتمون.
ولكي تنجح «حملة أصيل» في زرع قيم وثقافة العمل والإنتاج، وحتى لا نبخس بعض المخلصين حقهم، حيث أننا نرى بالفعل أن هناك نوازع خيّرة لدى جهات بعينها في الدولة، لكنها حتما تحتاج إلى مزيد من التشجيع والدعم والمثابرة، حتى لا يحبط ويتعب من يمتلكون الإخلاص والغيرة على أبناء الوطن، جراء حوائط الصد الكثيرة المتواجدة بسطوتها في جسد الدولة وهياكلها الإدارية.
شخصيا سعدت كثيرا بحملة أصيل وأرجو أن تكون حملة مستمرة ومتنوعة لتتخذ لنفسها أشكال مبدعة في التعاطي مع تلك السلوكيات المعيقة لعملية التطوير الإداري والتي أصبحت معشعشة في أروقة وزارات وإدارات الدولة والشركات الكبرى والصغرى على حد سواء، وهي حالة متضخمة باستمرار بكل أسف، ولا أجد أن التعاطي القائم معها حاليا بقادر على وقفها، فقد غدا ذلك التعاطي السلبي والمنحاز في أوقات كثيرة عامل تشجيع وتحفيز لها بكل تأكيد، وذلك ما يمكننا أن نعول عليه من دور منتظر لديوان الرقابة الإدارية الذي يجري التأسيس له حاليا، عساه أن لا يكون نسخة مقلدة مما هو قائم حاليا!
صحيفة الايام
25 ابريل 2010