انشغل المجتمع البحريني في الأسابيع القليلة الماضية بحزمةٍ من القضايا الكبرى ذات الطابع الاقتصادي، يكاد يجمع بينها عنوان واحد، هو الفساد. من بين تلك القضايا التقرير الذي انتهت إليه لجنة التحقيق في أملاك الدولة، والذي ما زال من المتعين التأكيد على طابعه الوطني، حين اتفقت إرادة الكتل النيابية كلها على موقف واحد في رصد أوجه المخالفات والتجاوزات في حق المال العام، ومن أجل وضع حدود فاصلة بين ملكية الدولة التي يجب أن تكون الأكبر والأكثر كما هو الحال في كل بلاد الله، وبين الملكيات الخاصة التي يجب أن يقيدها القانون.
الجميع يدرك أن هذا الملف ما كان له أن يحظى باهتمام الرأي العام في البلاد، وما كان يمكن بلوغ التقرير الذي انتهت إليه لجنة التحقيق، لولا تضافر جهود جميع الكتل في العمل من أجل ذلك، وهذا ما هو بحاجة إلى إبرازه وتوضيحه، كون ذلك يشكل مدخلاً صحيحاً لإظهار حقيقة أن أي ملف مهما كانت أوجه المشروعية والعدالة فيه معرض للاجهاض المبكر والإخفاق إذا ما أضفي الطابع الطائفي عليه.
تزامن طرح هذا الملف مع طرح قضية الأموال التي سلطت الضوء مجدداً على البيئة المُولدة للفساد في غياب الرقابة المفترضة من الأجهزة المعنية بالرقابتين المالية والإدارية، وهو الغياب الذي كشفت عنه، أيضاً، وبسطوع قضية الاستثمارات الوهمية التي راح ضحيتها بسطاء الناس الذين وظفوا مدخراتهم وتحويشاتهم التي أفنوا العمر في سبيلها، مقابل وعود كاذبة زائفة، وهي المسألة التي تطرح على بساط المناقشة والتساؤل صمت الأجهزة الحكومية ذات الصلة، في التعاطي مع الموضوع برمته، ففضلاً عن التغاضي اللافت للنظر عن استشراء هذه الظاهرة بحيث تمددت أذرعها فباتت كالإخطبوط الذي شمل مناطق مختلفة في البلاد، فان السؤال المر الآن هو عن مصير أموال من وثقوا في المستثمرين الوهميين، وأعطوهم مدخراتهم.
وليس لائقاً في مثل هذه الحال التذرع بحكاية أن القانون لا يحمي المغفلين، فهذه المقولة لا يمكن أن تؤخذ على إطلاقها في كل الأحوال والملابسات، فمسؤولية الدولة التي كانت في غفلة أو تغافل عن الموضوع، أن تنتصر لحقوق مواطنيها التي أهدرت من عصابات تعمل بدون وازع أو ضمير، وأن يجري التحقق في مصير الأموال التي سلبت بالحيلة والنصب، وتعاد لأصحابها، ناهيك عن ضرورة محاسبة المتورطين في هذا الاحتيال.
وهنا أيضاً يبدو فجاً معالجة الأمر من منظور طائفي، كما يسعى البعض لذلك، عبر تصويره كما لو كان مؤامرة ضد مناطق معينة أو أبناء طائفة بعينها، فالمتضررون من العملية هم من مختلف مناطق البحرين ومن مختلف طوائفها، وآن الأوان لكي نغادر هذا النوع من التعاطي مع المسائل، وأن نوسع بصيرتنا في التحليل، لنرى أن النصب لا دين ولا مذهب له، وأنه من يقومون به ليسوا معنيين باختيار مذهب أو طائفة ضحاياهم، فهمهم الأساس هو الاستيلاء بالطرق الحرام على أموال الناس، ومراكمة ثرواتهم.
صحيفة الايام
22 ابريل 2010