من بين ما يروّجه دعاة الخصخصة الشاملة لتسويق مشروع قانونهم المعيب الادعاء أنّ مشروع القانون في شأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص مشروع قانون فريد من نوعه وليس له مثيل في العالم من حيث الضمانات والمزايا، التي يوفرها للعاملين الكويتيين في الشركات الخاصة، التي ستؤول إليها ملكية المشروعات العامة بعد خصخصتها… في حين أنّ الحقيقة خلاف ذلك، فما نصّ عليه مشروع القانون من ضمانات ومزايا للعاملين منقول بصورة شبه كاملة عن التجربة الماليزية للخصخصة منذ أواسط ثمانينيات القرن العشرين، أي قبل أكثر من ربع قرن، وهي ليست بدعة كويتية غير مسبوقة، مع ملاحظة فارق مهم وهو أنّ العاملين في القطاع الخاص في ماليزيا يتمتعون بمعدل رواتب أعلى من العاملين في القطاع العام، حيث ألزمت الحكومة الماليزية شركات القطاع الخاص بتوظيف العمالة المنتقلة إليها لمدة لا تقل عن خمس سنوات، وألزمته بدفع رواتب لا تقل عن رواتبهم السابقة، مثلما منحت العاملين الماليزيين نسبة معينة من رأسمال الشركة، التي تم تخصيصها لاكتتابهم وفق شروط ميسرة، كما مكنتهم من شراء نسبة محددة من الأسهم بسعر الإصدار بعد مضي ثلاث سنوات من العمل في الشركة كحافز لاحتفاظهم بأسهمهم… وقد سبق لوفد من لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة الكويتي الأسبق أن زار ماليزيا في العام 1994 للاطلاع على تجربتها في تشريعات الخصخصة، حيث نقل الوفد الكويتي في تقريره بعض المزايا المقررة للعاملين الماليزيين في المشروعات العامة بعد خصخصتها، التي تمّ الأخذ ببعضها.
وعندما نحاول تحديد هذه الضمانات والمزايا في مشروع القانون الجديد سنجدها في الفصل الرابع منه، الذي يحمل عنوان “حماية حقوق العاملين” ويضم المواد من المادة السابعة عشرة إلى المادة الحادية والعشرين… ولكن الضمانات والمزايا المقررة للعاملين في المشروعات العامة ممَنْ يرغبون في العمل بها بعد تخصيصها، وهي الضمانات والمزايا التي ستتحمّل الشركات الخاصة عبء التزام تنفيذها سنجدها تحديدا في المادة السابعة عشرة فقط من مشروع القانون؛ لأنّ بقية المواد في هذا الفصل إما أنّها تتصل بالعاملين، الذين لا يرغبون في الانتقال إلى الشركات الخاصة، أو أنّها تتعلق بمزايا في قانون التأمينات الاجتماعية ستتحمّل الخزانة العامة الأعباء المالية المترتبة عليها، ولا تتحمّل الشركات الخاصة أي عبء أو التزام فيها…
أما المادة الحادية والعشرون فمتعلقة بوضع المجلس الأعلى للتخصيص القواعد، التي تلتزم بموجبها الشركات بوضع وتنفيذ برامج تدريبية تكفل الاستفادة من العاملين المنقولين إليها، ولا يمكن وصف إعادة التدريب بأنّها مزية، وإنما هي ضرورة تقتضيها حاجة الشركات الخاصة قبل أن تقتضيها حاجة العاملين المنقولين من أصحاب الخبرة السابقة، وذلك بهدف استغلال جهودهم وقوة عملهم إلى أقصى مدى ممكن!
إذن فالمزايا المقررة في مشروع القانون للعاملين الكويتيين المنقولين تنحصر في التزام الشركات الخاصة بضمان أن تكون مدة عقود عملهم خمس سنوات يحصلون خلالها على مرتباتهم ومزاياهم المالية والعينية، أما تجديد العقود بالمرتبات والمزايا ذاتها بعد انقضاء السنوات الخمس فيعود وفقا لهذه المادة من مشروع القانون إلى رغبة الشركات الخاصة في استخدام هؤلاء العاملين الكويتيين المنقولين، مثلما يعود أمر تسريحهم من العمل فيها إلى عدم رغبة هذا الشركات بذلك… إلى جانب تحديد نسبة لا تجاوز 5 في المئة من أسهم الشركات المساهمة، التي تؤول إليها ملكية المشروعات العامة، يكتتب بها العاملون الكويتيون المنقولون الراغبون في الاكتتاب بالشروط التفضيلية.
ولدينا تجربة ملموسة ومؤلمة في الكويت فقد انقضت أخيرا مدة السنوات الخمس على خصخصة نحو 80 محطة وقود كان يعمل فيها أكثر من 360 مشرفا كويتيا، حيث تناقص عددهم وأصبح الآن في حدود 35 مشرفا كويتيا فقط، والآن ومع انتهاء مدة السنوات الخمس تتجّه الشركات إلى تسريح هذه البقية الباقية المحدودة العدد منهم… وهذا ما سيحدث في الغالب في حال صدور مشروع القانون الحالي بعد انقضاء السنوات الخمس للعديد من العاملين الكويتيين، الذين سينتقلون إلى الشركات الخاصة بعد خصخصة المشروعات العامة، التي يعملون بها حاليا..!
جريدة عالم اليوم 18 أبريل 2010