ليس من قبيل القول ان تجارة الأدوية باتت من أكثر السلع إدرارا للأرباح في عالمنا اليوم، ولو قيض ان تتخصص نشرة علمية إحصائية في رصد الأرباح السنوية لشركات تصنيع الأدوية الكبرى في العالم ما لم تكن نشرة بذلك موجودة لهال المرء الأرقام الفلكية الخرافية التي تتقاضاها من ارباح مبيعاتها من الأدوية في العالم. والمفارقة ان ذلك يحدث فيما يفترض ان الأدوية تتراجع تجارتها ولو نسبيا بتقدم المجتمع الدولي صحيا وتقدم وسائل الرعاية الصحية، أليست زيادة المعمرين في العالم تفسر تدني معدلات نسب الأمراض في العالم وزيادة الرعاية الصحية في دول العالم المتقدمة.
إذًا ثمة أنواع جديدة من الأمراض التي لم يكن العالم يعرفها سابقا والتي هي من ضريبة الحضارة المعاصرة كالأمراض الناشئة عن التلوث بمختلف أنواعه والأمراض الناشئة عن الحروب والأمراض النفسية المتنوعة التي لربما ازدادت على العصور السابقة، فإن شركات الإعلان وما تملكه وتسخره من وسائل إعلامية عالمية للترويج لأدويتها تارة من خلال أساليبها الجبارة التي تضفي عليها صفة “العلمية” لاقناع المستهلكين الأبرياء بمفعولها الجبار الذي لا يقهر في العلاج، وتارة اخرى من خلال اثارة فزع العالم من امراض تصورها كأنها قنابل نووية ضخمة ستفتك بالبشرية برمتها، ولنتذكر هنا حالة الذعر التي عمت العالم من انفلونزا الخنازير، كل ذلك بلا شك يلعب دورا كبيرا هو الآخر في الترويج لأدويتها الفاعلة حقا او غير الفاعلة او غير الضرورية.
لكن ماذا عن الأدوية “المغشوشة” في عالمنا العربي ومنها دولنا الخليجية؟ وعلى وجه اخص لنتساءل هنا عما اتخذ من إجراءات رقابية لمواجهتها في بلادنا البحرين؟ ان ما نسمعه دوما هو تصريحات وبيانات مطمئنة من قبل المسئولين في وزارة الصحة حول ذلك. لكن هل يعقل أن هذه الوزارة التي لطالما عرفت برقابتها على الاغذية والمطاعم وحققت نجاحا في عمليات الضبط وان كان نجاحا اضحى بحاجة إلى تطوير وتعزيز.. هل يعقل ليست بحاجة على الاطلاق إلى ممارسة اي شكل من أشكال الرقابة على مدى صلاحية وجودة الادوية دع عنك الرقابة على أسعارها؟
حتى الدول الأوروبية المتقدمة لم تستطع بالرغم من تشريعاتها وأنظمتها الطبية والرقابية الصارمة الادعاء بأنها في مأمن حصين عن اختراق مافيا الادوية المرتفعة الأسعار او مافيا الأدوية “المغشوشة” فقد كشفت دراسة مسحية ان مواطنا واحدا من كل خمسة في الدول الأوروبية اشترى دواء عن طريق الانترنت من دون وصفة طبية او استشارة طبية، وان سوق الأدوية في غياب الرقابة الطبية الحكومية حققت مبيعات تقدر بـ 14 مليار دولار. وقد شملت هذه الدراسة دولا أوروبية معروفة بنظمها القانونية والديمقراطية المتطورة مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا وسويسرا وبلجيكا والسويد والنرويج والدنمارك وهولندا والنمسا وفنلندا وآيسلندا وتبين ان السبب الرئيسي لتكالب المستهلكين على شراء هذه الادوية هو انخفاض أسعارها.
وجاء في تعليق لجيم طومسون رئيس منظمة التحالف الاوروبي لتسهيل الحصول على ادوية آمنة ان الرواج المتزايد للأدوية المغشوشة يشكل خطرا على صحة المرضى لانها تحتوي على مواد مضرة او نسب غير صحيحة من المكونات النشطة لعلاج اي مرض من الامراض (انظر الشرق الاوسط 17/2/2010).
ولكن يظل السؤال المهم هل كان المرضى الاوروبيون، ناهيك عن المرضى في دول العالم الثالث الفقيرة، سيقدمون على شراء ادوية مغشوشة رخيصة الثمن بصرف النظر عن مدى سلامتها وجودتها الطبية الصحية لولا وجود ادوية باهظة الثمن من قبل شركات الادوية الكبرى ذات الشهرة العالمية؟
ان صحة وموضوعية السؤال تتعززان هنا اذا ما علمنا بأن من مول تلك الدراسة التحذيرية الاوروبية من الادوية المغشوشة هي شركات الادوية الكبرى ذاتها.
ومن يدري فلربما بعض الادوية التي تدعي هذه الشركات الكبرى بأنها “مغشوشة” ليست مغشوشة وانما يراد اقصاء هذه الشركات الصغيرة ذات الاسعار المعقولة عن منافستها للشركات الكبرى الاوروبية ذات الادوية المرتفعة الاسعار.
وفي كل الاحوال فإن المستهلك المريض الفقير هو الضحية بين الادوية “المغشوشة” ان تكن مغشوشة حقا والادوية المغشوشة الباهظة الثمن وخاصة تلك التي يروح اخطبوط من الاطباء الخالين من ضمير وشرف المهنة، فهل نسمع من وزارة الصحة ما يفيد بوجود رقابة على الادوية والصيدليات سواء بخصوص الادوية “المغشوشة” ام الادوية المرتفعة الاسعار؟
أخبار الخليج 14 أبريل 2010