رفع مجلس النواب توصياته المتعلقة بنتائج تقرير لجنة التحقيق البرلمانية بشأن تنفيذ مشروع المدينة الشمالية إلى الحكومة، هذا المشروع الحلم الذي طال انتظاره على الرغم من أهميته. إلا أن نظرة أولية لما جاء في التقرير تكاد تفصح لنا عن عدة وجوه نراها تتكرر باستمرار في مختلف وجوه تعاطي السلطة التنفيذية مع ما تطرحه السلطة التشريعية من اقتراحات ومشاريع وبشكل خاص كيفية تعاطيها مع لجان التحقيق، وهذا الأمر ليس وليد اليوم أو الفصل التشريعي الحالي، وإنما هو نهج مستمر منذ الفصل التشريعي الأول، فقد أظهر تقرير لجنة التحقيق في تنفيذ مشروع المدينة الشمالية سمات لا زلنا نتحدث عنها حول طبيعة التعاطي الرسمي مع مشروع لجنة التحقيق في أملاك الدولة وكان ذلك قد تأصل في تقارير لجان تحقيق سابقة مثل لجنتي التحقيق في تجاوزات التأمينات والتقاعد وتجاوزات خليج توبلي، وكذلك في لجنة التحقيق في غاز المعامير، علما ان لجان التحقيق هذه وكما يعلم الجميع، غالبا ما تستهلك وقتا وجهودا كبيرة من أعضاء السلطة التشريعية على حساب بقية الملفات والأولويات، فلماذا إذا يتم استهلاك وقت المجلس ونوابه والبلد بصورة متكررة ومن دون طائل؟! خاصة إذا علمنا أن التوصيات المرفوعة للحكومة تحتاج هي الأخرى لمعجزات لتنفيذها وإن نفذ بعضها إلا أن بعضها الآخر يجري تعويمه وإهماله تدريجيا، لتصبح نتائج بعض لجان التحقيق في واقعها مجرد واجهات للتنفيس وإشغال الرأي العام دون نتائج جدية أو ملموسة!!
فمشروع بأهمية المدينة الشمالية ما كان ليحتاج أصلا للجنة تحقيق في ماهية تنفيذه من عدمه، باعتباره مشروعا على درجة كبيرة من الأهمية، نظرا لما يمثله ملف الإسكان من أولوية قصوى بالنسبة للجميع، وهو مشروع كان مدرجا منذ موازنة العامين 2005-2006 وتعاقبت عليه حتى الآن ثلاث موازنات عامة دون أن يرى النور، في حين أن مشروعا آخر هو مشروع حلبة البحرين الدولية كانت الحكومة قد استكملته في أقل من عام، وهو بكل تأكيد مشروع حيوي واستثماري مهم جدا، لكنه لم يواجه بمصاعب ومعوقات كالتي يواجهها مشروع المدينة الشمالية، الذي كان بداية معد ليستوعب أكثر من 26 ألف وحدة سكنية، وسرعان ما قلص إلى 13 ألف وحدة سكنية ليصل بنا الأمر الآن لحدود 1500 وحدة سكنية سنويا ولا ندري بعد ما الذي ستخرج علينا به وزارة الإسكان بعد فترة وجيزة حوله! في الوقت الذي تنتظر آلاف الأسر في جميع مناطق البحرين مجرد البدء فيه لتستبشر خيرا، وهذا المشروع الذي كان من المفترض أن يقوم على ما مجموعه سبع عشرة جزيرة نراه قد تقلص ليصبح فقط عشر جزر!!
وبحسب تقرير لجنة التحقيق البرلمانية الأخير فان الحكومة لم تبدِ تعاونا جيدا في توفير المعلومات حوله، في الوقت الذي لم يتبقَ من المشروع سوى بضعة أوراق وخرائط تفيد بأنه لازال قائما، فيما تتضارب تصريحات المسؤولين بشأن تنفيذه دون أن يستشعر أحد من المسؤولين مدى الإحساس بالخسارة الذي بات ينتاب المواطنين وأحلامهم التي أصبحت في مهب الريح، وتزيدها مرارة تصريحات الوزارة المستمرة بعدم وجود أراض كافية مخصصة للمشاريع الإسكانية الأخرى!
نتساءل باسم كل المواطنين لماذا لا يوجد من يعلق الجرس بشكل مسؤول لتنفيذ هذا المشروع الحلم؟! وما الذي تنتظره الجهات الرسمية لتقوم بذلك؟ ولماذا يسمح للبيروقراطية أن تقتل طموح البسطاء في الحصول على مسكن للمّ شمل أسرهم؟ ولماذا لا يتم البدء في مشروع المدينة الشمالية والدعوة لسرعة استكماله في فترة زمنية معلومة وبوحدات ومساحات معروفة للرأي العام؟ كما أنني أتساءل عن معنى توصية لجنة التحقيق البرلمانية ببناء 1500 وحدة فقط، فيما نحن نرى على سبيل المثال أن مشروعا إسكانيا آخر هو مشروع وادي السيل بنيت فيه في اقل من عام أكثر من سبعمائة وحدة، وهو مشروع يفترض أنه أصغر من مشروع المدينة الشمالية؟! نتعشم في من يعنيهم أمر المدينة الشمالية كوزارة الإسكان والبلديات وإدارة التخطيط العمراني أن يكونوا أكثر وضوحاً مع مشروع كهذا تنتظره عشرات الآلاف من الأسر وهي تزداد عاما بعد عام دون أن يوجد لهم من أمل في الحصول على وحدة إسكانية، وهو أحد الحقوق الدستورية التي أصبحت متعذرة بكل أسف في ظل طبيعة التعاطي الرسمي الذي نطمح أن يرتقي قليلا ليتفهم حجم المعاناة والقلق وما يعنيه كل ذلك من انعكاسات اجتماعية واقتصادية سلبية بات المواطن العادي يئن تحت وطأتها وهو الموعود بالأمل في الخروج من هكذا أوضاع، بل إننا بذلك نزيد من حجم احباطاته وتراجع ثقته في قدرة الدولة على اجتراح الحلول لقضاياه وعلى رأسها القضية الإسكانية.