أذكر استطلاعاً أجرته جريدة عربية عن الطريقة التي يصنع جيل اليوم أحلامه وأوهامه، وكيف يبلور الشبان والشابات التحولات التي يمرون بها.
محور الاستطلاع يدور حول سؤال عن أي صورة يتمناها الشاب أو الشابة عن نفسه، وأي شاب يطمح أن يكون. أما المشاركون في الاستطلاع فلم يتقيدوا بالإجابة على السؤال المذكور، إنما راحوا يعبرون أيضاً عن هواجسهم وظروف تشكلهم.
ورغم أن هؤلاء المشاركين كانوا من بلدٍ واحد هو لبنان، إلا أن ما قالوه يعطي، فيما نظن، فكرة عن الطريقة التي يفكر بها الشباب في البلدان العربية الأخرى، مع مراعاة الفروق والخصوصيات طبعاً.
لا يمكن تلخيص الآراء الواردة في الاستطلاع في كلمات أو في سطور، إن ثمة حالات متناقضة يصعب الإمساك فيها بقاسمٍ مشترك، ولكن الملاحظ أن المثل الأعلى بالمعنى الذي فهمناه نحن عندما كنا في سن هؤلاء غائب وإذا كان حاضراً فإنه يأتي في صورة غائمة أو مشوشة.
إحدى الحالات نجدها في نزوع فريق من الجيل الجديد إلى المبالغة في شحن مواقفه بمشاعر انفعالية متطرفة أو حادة تعبيراً عن الشعور بالتهميش، يجد ذلك تجليه مثلاً في أن أحد المشاركين قال ان عبر عن ذلك بأن ثقب أذنه ووضع فيها قرطاً معدنياً، وهو لا يرى في الأفكار والشعارات العامة المعروضة عليه ما يرضي حجم انفعالاته.
المدينة تبقى، كما في السابق، حلم الشباب والشابات الذين ولدوا ونشأوا في القرى أو الأطراف، والمقصود بالمدينة هنا العاصمة تحديداً، حيث السينما والمقهى والعلاقات الرحبة والصداقات. ضجر المدينة، برأي إحدى المشاركات في الاستطلاع، أجمل من ضجر القرية، لأنه في المدينة يحدث وسط حياة سائرة وصاخبة، أما في القرية فإن للضجر طعم الصمت والسكون.
لم يتوقف الاستطلاع كفاية أمام جوانب جديرة بالتوقف، منها مثلاً أسباب خيبة الأمل أو الإحساس بانعدام الأفق أو سقوط المثال في أذهان الشباب، بملاحظة حجم التحولات الاجتماعية والديموغرافية والنفسية التي طالت العالم العربي في السنوات الأخيرة، وأدت إلى ما أدت إليه.
وربما كان علينا أن نضيف أن حالة السكون أو السلبية التي نشهدها لدى قطاع واسع من الشباب هي حالة مخادعة وليست أكيدة، فالاهتمام بالشأن العام قد يتوارى مؤقتاً ولكنه سرعان ما يعود على شكل صدمة من الصحوة تباغت من لا يتوقعها.