شنت قوى التشدد هجوما عنيفا ضد الشاعرة السعودية الملقبة بـ «ريميه» التي تتنافس على لقب برنامج «شاعر المليون» الذي تبثه قناة ابوظبي الفضائية وسبب هذا الهجوم في نظر اولئك المتشددين ان الشاعرة المنقبة تجاهر بتأييدها للاختلاط بين الجنسين في مجال العمل وان صوتها الانثوي الذي تجاهر به يعد «عورة» مما حدا بالبعض منهم إلى تهديدها بالقتل على المواقع الالكترونية.
وفي اتصال مع إحدى الوكالات العالمية قالت الشاعرة: انا وزجي وعائلتي لدينا قلق بسبب التهديدات، وانها تريد ان تواجه التشدد الذي أصبح ظاهرة مخيفة في العالم العربي وقالت أيضا انه قبل سنوات كان الناس بسطاء وكان هناك نوع من الانفتاح والآن أصبح كل شيء أثقل، حتى ان البعض لا يسلم على قريباته اللواتي كان يسلم عليهن من قبل، هكذا كان فحوى الخبر الذي تناقلته بعض الصحف المحلية والخليجية، ولكن أبعاده هي الطامة الكبرى، لان حجر الأساس في تهميش المرأة في الدول العربية والإسلامية هو عقلية الجمود والتزمت وثقافة التخلف التي تطارد المرأة كي تمنعها وباسم الدين من القيام بأدوارها الطبيعية والإنسانية، هكذا يقول محمد محفوظ في كتابه «الإصلاح السياسي والوحدة الوطنية» او كما يقول «ادوارد الخراط» وان التيارات الأصولية الدينية المتشددة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالردة «الدينية» التي تأخذ في التفشي والاستثراء يوما بعد يوم والتي تجرى وراء انتزاع سلطة الحكم بأي وسيلة تحت اقنعة الخطاب الديني او التحريض الديني، لم تكن المرأة لدى هؤلاء سوى كائن قاصر، وما حرية الفكر والاعتقاد والإبداع بالنسبة لها الا شعارات فضفاضة لا تؤمن لا بحرية الرأي ولا القبول بالآخر.
اذن فالمشكلة هنا كما يحددها «الخراط» إنها ناجمة عن نهج الوصاية الأبوية الذي لا يحترم مناخ الحرية في الثقافة وفي المجتمع بشكل عام وهو المناخ الذي يجب ان يكون سائدا دون ادنى تحفظ، اي المناخ الذي لا يوجد الا بالحرية القائمة على احترام الآراء الاخرى بمعنى الحرية القائمة على تسييد العقل وليس على الانصياع لمتطلبات آليات القوى النفسية والاجتماعية المدمرة: قوى ظلامية التعصب وتأكيد الذات في نوع العمى عن وجود الآخر وعن نور التسامح والسعي إلى الاستِئثار لا بالسلطة السياسية فحسب بل بسلطة فرض طريقة التفكير نفسها وفرض حكم التفكير الذي يعيد ممارسات محاكم التفتيش وارهاب الضمير، ومن هنا فاذا كانت ثقافة الإرهاب تؤكد على إقصاء الآخر وعلى تزيف الوعي ومحاربة الديمقراطية بنصوص وفتاوى ومرجعيات متعصبة تعود إلى ثقافة الماضي، فان هذه الثقافة المتعصبة والمتطرفة هي المسؤولة عن هدر دماء الكثير من المبدعين والمفكرين الذين وبخطاباتهم التنويرية اثروا الحياة الثقافية والسياسية والفكرية في الدول العربية..
نعم كان رصاص القدر ولا يزال يهدد ويلاحق كل الآراء والأفكار التي لا تتفق مع ثقافة العنف والتعصب.. الثقافة التي قال عنها الكاتب إسحاق الشيخ يعقوب في كتابه «الإرهاب في جزيرة العرب» ان أسباب الإرهاب تكمن في استرجاع ثقافة الماضي المترسخة بتفسيرات أفكار ثابتة انغلقت على ذاتها ولا تستطيع ان تهضم قيم الغرب وحضارته، وقد أصبحت أفكارنا ترفض أفكار الآخر الخارجة على منغلق ذوات أفكارنا المتعلقة بتراث تفسيرات أفكار واجتهادات السلف حتى أصبح الخلف تابعا تقليديا بليدا لأفكاره واجتهاداته وتفسيراته التي تبث روح الكراهية وتشن ثقافة الإرهاب ضد الفكر الآخر الذي يحدد مواقفه المنفتحة والحديثة في الفكر خارج سلفية أفكارنا المنغلقة على نفسها خارج الحداثة.
إذن وما دامت هذه الثقافة المنغلقة تسعى لتكريس الإرهاب والتزمت والجمود والطائفية والتطرف ومحاصرة العقل والحرية والحياة بتشريعات اقصائية تكفيرية فان المرأة ستظل في هذه الثقافة الأصولية المتشددة “عورة” وستظل أيضا رمزا للغواية طالما هذه الثقافة لا تحترم حرية الاختلاف والإبداع وحقوق المرأة.
وهاهي ثقافة الإرهاب تهدد الشاعرة «ريميه» مثلما طاردت وهددت غيرها من الكتاب والمبدعين والمفكرين لان الشاعرة صرخت بأعلى صوتها لا لقوى التشدد.. لا للأعمال والممارسات الإرهابية.
الأيام 8 ابريل 2010