إن التقلصَ الكبيرَ للرأسماليات الحكوميةِ الشرقية قادَ إلى توسع للرأسماليات الخاصة.
في حال غياب تلك الرأسماليات الحكومية بخدماتها وقوتها الاقتصادية وأجهزة أمنها الهائلة، تتحولُ الأوضاعُ إلى اضطراب هائل كالعراق وافغانستان واليمن وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي الآسيوية الخ، رغم أن هذا الغياب يفتحُ لتطوراتٍ جديدة مهمة لكن المظهرَ الفوضوي والاضطراب هما نتاجان لعدم التطور الواسع الديمقراطي للرأسماليات الخاصة المنتجة وظلالها من صحافة حرة وبرلمان حقيقي.
إن نمو البنية الاقتصادية الجديدة في العديد من الدول يستتبع تحولات سياسية وثقافية واجتماعية كبيرة مقاربة لتحولاتها.
إن هذا يؤدي إلى تآكلِ أو انهيار الأحزاب الشمولية التي عاشت تحت هذه المظلات وتشبثتْ بها.
إن نمو البرجوازيات الخاصة مرةً أخرى في الشرق على نطاقٍ واسع يتحددُ كذلك بأشكالِ العلاقاتِ الاقتصادية التي ظهرتْ عليها هذه البرجوازيات المتعددةُ الأحجام، أي مدى صلاتها بالرأسمالياتِ الحكومية، أو مدى اعتمادها على الرساميل البنكية أو الانتاجية كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، وعلى التمويل وعلى التبادل، وكيفية ظهور الاستهلاك، فهل يتوسعُ الاستهلاكُ الإنتاجي أم الاستهلاك الفردي العادي أم الاستهلاك البذخي؟
وكذلك ضرورة معرفة العلاقات التي تتم في كل هذه البنى الاجتماعية المختلفة، فثمة تباينٌ كبيرٌ بين البُنى الاجتماعية من بلدٍ إلى آخر، والدولُ التي انجزتْ التحولَ للرأسمالية التي لم تصبحْ بعدُ رأسمالية(حرةً) غير الدول التي تعيشُ بين الإقطاع والرأسمالية كالدولِ العربية والإسلامية، غير الدول التي تنمو باتجاه الرأسمالية الحرة.
أي ما هو مدى بقاء الهياكل الاقتصادية الشمولية، وظلالها من الأفكار والجماعات السياسية؟ وإلى أي مدى تبقى هيمنة القطاعات الحكومية على القطاعات الخاصة؟ وأين تذهبُ الفوائض؟ وهل هي لدعم التطور الإنتاجي الوطني أم للهدر على البيروقراطيات والبذخِ الخاص للطبقات الحاكمة وعلى أجهزتها العسكرية؟
ومن المؤكد ان هذه الظاهرات السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية بحاجةٍ إلى تحليلاتٍ كميةٍ موثقة، ولكن لابد من تحقيقاتٍ أوليةٍ، ومن ملاحظاتٍ اجتماعيةٍ تُسجل، هي من معين الرؤية المباشرة ومن المادة الوثائقية التي توفرها الصحافة.
فحين ترى قادة الأحزاب اليسارية والرأسمالية الجديدة والأحزاب القومية والدينية وهم يشترون المنازلَ الفارهةَ والسيارات الثمينة أو حتى يتزوجون بكثرة، ويماثلون الطبقات القديمة في الرفاه البذخي فهذا مؤشرٌ على اتجاه جماعات الرأسمالية الخاصة الجديدة تحت اللافتات السياسية القديمة والحديثة.
يُصاب الشبابُ باضطرابٍ خاصةً لما يَرونهُ من تناقضاتٍ حادة في سلوكِ الأحزاب والقادة، ولا يستطيعون فرزَ الشعارات وتحديدَ مساراتِ التطور السياسي العالمي، فهم يرون هجمةً رأسماليةً بذخية لدى القيادات، وتحولاً لبعضِ آبائهم وقادتهم نحو الأعمال الخاصة وأرباحها وعالمها الجديد المتلون المتنوع، وكذلك من بقاء للشعارات القديمة الاشتراكية والقومية والدينية خاصة شعارات مثل (لا شرقية ولا غربية)،(وعاشت الاشتراكية!) فهم يرددون ذلك لكنهم يغرقون في العالم الغربي بشركاته وأمواله ودعاياته! والأخطر حين يرتبطون بفساد الشركات والأجهزة الحكومية وينقلبُ حالُهم بين لحظة وأخرى إلى سلوك آخر، باطني تملكي، وظاهري ثائر زاعق في الخارج!
إذا كان ذلك يجري عبر استمرار الوعي القديم والحفاظ على القشرة الخارجية البطولية وأن تتوقف التحليلات الموضوعية لتطور الرأسماليات بأشكالِها المختلفةِ، كما سَبق عرضها، فالأمرُ يعبرُ عن أزمةٍ لابد من تلافِيها بمطابقةِ الكلام مع السلوك، وبعرضِ المشكلات والأخطاء، وبتوقيف سير(الملاحم البطولية)، واتخاذِ سياساتٍ نقديةٍ للمسيراتِ السابقة وبدرسِ الأبنية الاقتصادية الجديدة ورؤية كيفية تطورها لما يلائم استقلال ونهضات الشعوب، اي اتخاذ سياسات ديناميكية مؤيدة للرأسماليات الخاصة والعامة الإنتاجية وناقدة لها في جوانب التعثرِ والفسادِ وعدم مطابقة الخطط الوطنية وبعدمِ رفع مستوى حياة الشعوب وصحتها وتعليمها وإسكانها!
أي أن تلغي هذه الأحزابُ لغةَ البيانات التي عفى عليها الزمن: (نحن نشجب وعاش الشعب وعاشت الاشتراكية والقومية والإسلام) وتنزل لمعرفة الحياة في الشركات والأزقة وتقرأ البيانات الاقتصادية والدراسات الاجتماعية.
صحيفة اخبار الخليج
6 ابريل 2010